مدن

قضاء راوندوز

قضاء راوندوز وهو اقدم أقضية محافظة أربيل في كوردستان وكان عاصمة لامارة سوران التي حكمت لقرون عديدة مساحات واسعة من اقليم كوردستان العراق وبعد استحداث أقضية جومان ميركةسور وسوران في المناطق التي كانت سابقا تابعة لرواندوز تقلصت مساحتها ويتبعها حاليا ناحية واحدة هي ناحية ورتي و12 قرية. وتقع رواندوز عند سفح صخري يحيط بها واديان عميقان والمنطقة عموما تحيط بها سلاسل جبال شاهقة وهنالك طريق يمر عبر مدينة سوران نحو رواندوز ومن سوران يمكن رؤية رواندوز قبل بلوغها حيث تتوزع مبانيها العامة والخاصة بشكل هندسي يجسد طراز العمران الجبلي ومن رواندوز يمكن للسائح ان يواصل سيره مرورا بمنتجع بانك وصولا إلى مصيف وشلال بيخال الشهير وتبلغ مساحة مركز القضاء حوالي 487 كم2

يقع قضاء راوندوز شمال شرق محافظة أربيل على بعد 110 كم بين الواديين السحيقين “خرند وكلي خاله رش”. يرتفع هذا القضاء 1500 م عن مستوى سطـح البحر وتحيطه جنوبا جبال كورك، شرقا جبال هندرين، من الشمال جبال زوزك ومن الغرب جبال برادوست. تتألف كلمة رواندوز من كلمتين كورديتين، الاولى “روان”، وهي إسم عشيرة كوردية، وكلمة “دز” اي قلعة.

شلال بيخال

يشكل شلال بيخال مصيفا بحد ذاته ويبعد مسافة 105 كم عن مدينة أربيل. ويتمّ الوصول إليه عبر طريقين: أولهما من فوق شلال گلي علي بك، متسلقاً الجبال شرقا. أمّا ثانيهما فيمر عبر قضاء سوران شرقا مـرورا بقضاء رواندوز ثمّ انحدارا إلى شلال بيخال.  ينحدر هذا الشلال الطبيعي من وسط الجبل وهو تابع لكل من مدينة أربيل وقضاء سوران. ويتميز بالمناظر الطبيعية الخلابة حيث يرتاده الآلاف من السياح والمصطافين المحليين والأجـانب، خاصة في فصل الصيف في ظل انخفاض بدرجات الحـرارة في المنطقة.

وادي خرند

يمتاز هذا الموقع الطبيعي بجمال أخاذ، ويقع غرب مدينة رواندز وعلى الطريق الذي يربطه بقضاء سوران. يبعد هذا الوادي 104 كم عن مدينة اربيل ويرتفع 980 م عن مستوى سطح البحر. لهذا الوادي شقان: الشق الاول يبدأ تحديداً عند الجانب الذي يقع ضمن قرية (كاولوكان)، يطلق عليه تسمية كلي خرند. أما الشق الآخر، الذي يقع بالقرب من رواندوز، فيدعى خرند.

مصيف جنديان

يبعد مصيف جنديان مسافة 115 كم عن مدينة أربيل. ويقع المصيف عند حدود منطقة رواندوز وأسفل جبل هندرين وعلى مقربة 5 كــم شرق منطقة سوران. يمتاز المصيف بعين سحرية أسفل الجبل تجفّ المياه داخلها أحيانا لتعود إلى الظهور مع حلول فصل الربيع. ومصيف جنديان من المناطق السياحية الرئيسية في المنطقة نظرا لطبيعته الخلابة وكثافـة أشجـاره الطبيعية ومناخه المعتدل طيلة فصل الصيف، فضلا عن المرافق السياحية التي أعدت خصيصا للمصطافين.

مجمع وتلفريك كورك

يقع مجمع وتلفريك كورك على بعد 107 كم شمال شرق مدينة أربيل. تمتد رقعته الجغرافية من مصيف بيخال التابع لقضاء رواندوز ويصل إلى قمة جبل كورك. يبلغ طول التلفريك حوالي 4 كم وبارتفاع 75 م. أمّا قمة جبل كورك فتحتوي على مجمع يتضمن مطاعم، كافتيريا، مقهى وأماكن خاصة للاستراحة والتي تحتوي على ألعاب مخصّصة للصغار والكبار، كالتزحلق على الجليد والطيران الشراعي، بالاضافة إلى 37 شقة سكنية. يبلغ ارتفاع جبل كورك حوالي 2115 م عن مستوى سطح البحر. لا تتعدى درجات الحرارة في المجمع شتاء درجة مئوية واحدة حيث يصل مستوى الثلوج الى ارتفاع متر واحد. في حين تصل درجات الحرارة خلال فصل الصيف إلى 25 درجة مئوية.

منتجع بانك السياحي

يقع هذا المنتجع على تل قريب من رواندوز، ويبعد تحديدا مسافة 109 كم عن مدينة أربيل. يضم المجمع عددا من الموتيلات والأكشاك الصيفية، المطاعم، المحال التجارية، أحواض السباحة ومدينة ألعاب (شنكلبانة) ومدينة ألعاب خاصة للأطفال. ونتيجة للاقبال الكثيف عليه من قبل السياح هناك خطط مستقبلية لاضافة المزيد من المرافق السياحية اليه.

مدفع الاسطة رجب

صنع هذا المدفع على يد الاسطه رجب في عهد الامير محمد، أمير سوران (1813 ـ 1837). والأسطة رجب هو الكوردي الوحيد الذي أرسله الأمير محمد الى فرنسا من أجل اتقان فن صناعة الأسلحة.

هي رحلة تتنافس فيها الجغرافيا مع التاريخ من أجل الوصول إلى راوندوز، تلك الإمارة الكردية التي ذاع صيتها على يد الأمير محمد الراوندوزي الذي أسس عهدا جديدا من التقدم والرقي لم تشهده منطقة سوران طيلة فترة حكامها السابقين، وتوسعت كثيرا حتى شملت منطقة شاسعة تمتد من سنجار إلى القرى الكردية في أذربيجان الإيرانية، ومن (حصن كيف) إلى نهاية الأراضي التابعة لمدن مخمور والكوير وآلتون كوبري. حيث استطاع هذا الأمير “في حدود عام 1833 بسط سيطرته ونفوذه على المناطق المحيطة بسوران حتى وصلت حدود إماراته إلى منطقة الجزيرة ومن الأسفل إلى نهر الزاب وهو الحد الفاصل بينه وبين إمارة بابان”، حسب الدكتور جليلي جليل. بينما كتب، ك. راولنسوني السائح، في حدود عام 1938 قائلا “بعد الهجمات التي شنها الأمير محمد وصلت سلطته من مدينة شنو (الإيرانية) إلى ضفاف نهر دجلة (العراق) وإلى نهر الزاب الصغير”.

في رحلة الاستكشاف هذه، استكشاف الجغرافيا والتاريخ في آن معا سنجد أنفسنا في واحدة من أجمل مناطق كردستان العراق على الإطلاق، نتسلق جبالا، ونهبط إلى وديان، نجتاز مضايق تحفها القمم والأنهار، ومساحات مؤثثة بالشلالات، مساحات مفروشة بالعشب الأخضر الملون بأنواع من الورود البرية. فما أن نترك أربيل، عاصمة إقليم كردستان، متسلقين جبل سفين، حيث مصيف “صلاح الدين” لنهبط إلى مصيف شقلاوة، هذه المدينة المختبئة بين ظلال أشجار التوت والجوز والرمان وكروم العنب، حتى نأخذ الطريق المنبسط باتجاه جبل حرير. على يسار الطريق تقوم قرية بالكاد ترصد بيوتها لكثافة أشجارها، وفي عمقها نرى واحة من المياه الزرقاء، هذه قرية “سي ساوه”، يوضح لي صديقي بتشتوان كمال من عشيرة “خوشناو”، وهي العشيرة التي تتبع لها الأراضي التي كنا نتنقل خلالها، يضيف صديقي قائلا “هذه قريتنا وبيوتنا هناك في مقدمة القرية تقريبا”. تتسلق السيارة ذات الدفع الرباعي وبأسطواناتها الثماني حافة جبل حرير نحو قمته مقتربين من الغيوم، سنكون بعد قليل قي ضيافة المهندس جوهر السورجي، نجل الشيخ حسين خضر آغا حمد آغا شين السورجي، وهذا الأخير ورد اسمه في كتاب المهندس البريطاني إدوارد هاملتون في كتابه “طريق هاملتون”، وهو الطريق الذي يخترق مضيق “علي بك” صعودا إلى حرير باتجاه “حاج عمران” على الحدود العراقية – الإيرانية إذ تم إنشاؤه من قبل الحكومة البريطانية عام 1937، متحدثا عن مشاكله مع حمد آغا شين شيخ السورجية ومن ثم صداقته العميقة معه.

“هذه منطقة العشائر الكردية” يوضح السورجي، في مضيفه ببيته بقرية “كلكين” بمنطقة “سرجيا”، التي تعني باللغة الكردية رأس الجبل، نتعرف على شيوخ عشائر “الزيبارية” و”السورجية” و”الخوشناو”، موضحا “أراضي إقليم كردستان مقسمة على العشائر التي تقيم في قرى بأراضيها، تخرج من أربيل هناك عشيرتا (الهركية) و(الكردية) بتشديد الكاف، وبعد شقلاوة (الخوشناو) و(الهاروتية)، بعد شقلاوة وباتجاه حرير (السورجية) وباتجاه عقرة هناك (الزيباريون) وعندما نصعد إلى الجبل هناك (البارزانيون)، وباجتياز كلي علي بك (بالكيان) حيث عشيرة (بالك) وعلى يسارهم عشيرة (باردوست)”.

يدلنا السورجي، وهو مهندس مدني أكمل دراسته في بريطانيا، إلى مكامن جمال منطقة راوندوز الساحرة، فقرية “كلكين” التي انطلقنا منها تقع على طريق “هاملتون”، فوق جبلي سبيلك وخليفان، هنا تنتشر أكثر من 60 قرية تابعة إلى قضاء راوندوز منذ تشكيل الدولة العراقية.

نجتاز ممرات عريضة، شوارع حديثة عبدت بعناية تفاديا للحوادث المرورية، فهذه الطرق تقوم فوق وديان سحيقة، تظللنا قمم جبال شاهقة، بينما يشكل هدير الأنهار موسيقى المشهد الأخاذ، يقول السورجي “هنا تجري أنهار: بارزان وجومان وخليفان وبيخال، وكلها تلتقي عند قرية بخمة، لتشكل نهر الزاب الأعلى، وهناك يتم إنشاء سد بخمة العملاق المصمم من قبل الإنجليز عام 1937 لتجمع ما بين 9 و17 مليار مكعب من المياه الصالحة للشرب، وسيكون واحدا من بين 10 أكبر السدود في العالم، وكان يجب أن ينفذ في الخمسينات إلا أن التكاليف وقفت عائقا، ولم ينفذ إلا عام 1988 بعد أن أنشأت تركيا وسوريا عددا من السدود على نهر الفرات، وتوقف العمل فيه بسبب حرب تحرير الكويت إذ سرق أهالي المنطقة معداته الضخمة وبواباته الحديدية التي تقدر تكلفتها بـ200 مليون دولار وتم بيعها لإيران بأقل من 50 مليون دولار”، مشيرا إلى أنه “إذا تم إنجاز هذا السد فسوف تكون هنا واحدة من أكبر بحيرات المياه الصالحة للشرب في المنطقة وسيعود ذلك بالخير لأهالي المنطقة ولكردستان خاصة وللعراق عامة، وسيتم استغلال الطاقة الكهربائية (1000 ميغاواط) المتولدة من مياه السد إضافة إلى الفوائد الاقتصادية من حيث الثروة السمكية كما أن المنطقة ستتحول إلى أضخم مشروع سياحي في الشرق الأوسط”. نقف من علو يشرف على منطقة السد وما تم إنجازه حتى بداية التسعينات، فهناك ستة أنفاق جبارة في جسد الجبل، بعضها لتحويل مجرى المياه وأخرى لخزنها ونفق للمواصلات، متخيلين سعة البحيرة التي ستقوم عند سفوح هذه الجبال العالية وجمال القرى السياحية التي ستنتشر هناك.

نترك بخمة وسدها المؤجل متجهين إلى شلالات “بي خال” وهي عبارة عن نهر يخترق صخور الجبل ويتخرج مياهه هادرة من خاصرته في اتجاهات عدة لتتجمع في نهر “بي خال”، المنطقة لا تزال تفتقر إلى العناية السياحية، فالمقاهي والمطاعم البسيطة الملتصقة بصخور الجبل على حافة المياه التي تتوزع بكل الاتجاهات. المكان الذي منحته الطبيعة سر جمالها بحاجة إلى فنادق ومقاه ومطاعم حديثة تجتذب السياح العراقيين والعرب وحتى الأجانب.

ما أن نترك شلالات “بي خال” حتى نصعد إلى راوندوز مرورا بمدينة ألعابها المشهورة “شنكل بانة” لنهبط إلى المدينة التاريخية التي تتداخل طرقاتها حسبما تمليه صياغة الطبيعة في الجبل الذي تتربع عليه هذه المدينة العتيقة. يقول السورجي الذي كان قد تلقى تعليمه الأولي في مدرستها الوحيدة التي كانت موجودة آنذاك، إن “راوندوز من أقدم المدن الكردية الاستراتيجية وفيها تشكلت أول إمارة كدولة كردية على يد الأمير محمد باشا الراوندوزي 1815، وكان الهدف الاستراتيجي له هو توحيد الأراضي الكردية تحت قيادته، وبناء كيان كردي يستطيع الصمود والتصدي للمطامع العثمانية والإيرانية القاجارية في كردستان، وسك النقود باسمه، وأنشأ مصنعا لصناعة الأسلحة والمدافع في راوندوز، ففي عام 1816م عهد الأمير محمد لبناء مصنع لصناعة الأسلحة إلى المدعو (أسطى رجب) الذي كان بارعا في صناعة الأسلحة والعتاد، ووفر له كل ما يحتاجه من المواد الأولية والأموال اللازمة والصناع المهرة، وحتى فترة قريبة كان هناك مدفعان قديمان يتصدران بوابة البناية القديمة لوزارة الدفاع ببغداد مصدرهما راوندوز”.

وحسب المصادر التاريخية، فإن “الأمير الراوندوزي باشر حكمه من البداية بثقة عالية وطموح قوي لتنفيذ ما يجول برأسه، فقام أولا بتحصين القلعة التي هي مركز الحكم، وبناء سور لراوندوز وبإعداد الجيش وبناء المخازن للسلاح والعتاد، وفي مرتفع مقابل راوندوز أمر ببناء قلعة حصينة سماها قلعة (أيج) وجعل فيها قوة دائمة مجهزة بالسلاح والعتاد، وقرب الشيوخ والعلماء والشعراء وأجزل العطاء لهم، وكان محاطا بنخبة من علماء الدين يعملون كمستشارين له أبرزهم الملا محمد الخطي”. لقد عرف أهالي راوندوز اهتمامهم بالعلم والثقافة، كما عملوا بالتجارة حيث يعرضون منتجات القرى المحيطة في متاجر واسعة تتيح لأهالي المدن الأخرى من السياح تبضع الصناعات اليدوية التي صارت نادرة اليوم، كما اهتموا بالزراعة لوفرة الأنهار التي تتوفر بالمنطقة. ويشق راوندوز أخدود عميق يعتقد بأنه تكون نتيجة حركة الأرض فقسم الجبل إلى نصفين لينتج عن ذلك وادي “خارند” الذي تجري في عمقه مياه نهر موسمي. ويطلق أهالي راوندوز على هذا الوادي تسمية “وادي الانتحار” متحدثين عن عشاق رموا بأنفسهم إلى عمق “خارند” لفشل قصص حبهم أو لعدم موافقة عوائلهم على الزواج. وإذا كانت إمارة راوندوز قد أفل نجمها بعد أن حاصرها الأتراك لستة أشهر ودخلوها بعد أكثر من ثلاثة عقود من تألقها، بعد أن أشاعوا تحريم القتال ضد جيشهم المسلم، فإن المنطقة لا تزال مزدهرة بجمال طبيعتها، ولعل ممر كلي علي بك (كلي تعني وادي) والحفوف بالقمم العالية والذي يجري على امتداده نهر مصدره شلال يحمل ذات اسم الوادي (شلال كلي علي بك) واحد من أجمل مناطق راوندوز، حتى إن هاملتون، المهندس الإنجليزي، قال عنه “لو عندنا في إنجلترا أو نيوزيلندا مثل هذا الوادي لجعلناه إحدى عجائب الدنيا”. قريبا جدا من مركز مدينة راوندوز تقع بلدة جنديان التي تشتهر بعين مياهها السحرية، وأطلق عليها الناس “العين السحرية”، بسبب تدفق مياهها وتوقفها فجأة لساعتين أو أكثر ومن ثم عودة تدفقها لأسباب طبيعية وفيزيائية بحتة.

رحلة راوندوزية

تركنا قرية كروان تنعم بعسلها ومروجها وعدنا إلى راوندوز عاصمة الإمارة السورانية لعدة عقود، مدينة كل شيء فيها يسلب العقل والقلب، زرقة السماء فيها تختلف عن زرقتها في أي مكان آخر، السحاب كأنها قلادة من الماس تزين جيد السماء، وأنا أدور بعيون الوجع أبحث عن عافية لاندحاري، قلت كيف لإنسان سوي أن يقوم بنحر كل هذا الحسن، أي قلب يستطيع أن يقتل الناس، الورد، العصافير، البلابل، الغزلان، الفراشات، ويغطي كل هذا الحسن بالقنابل الكيمياوية، انه وحش لا يعرف غير القبح وكره الجمال، لذلك بقي الجمال وذهب الوحش وزبانيته الى مزبلة التاريخ، نعم بقي الجمال ضفائرا من الورد تتراقص على متون راوندوز، عيون وشلالات من الدر تغازل الأودية وكأنها أقراط من الفضة تتراقص على خد أنثى فاتنة، كم عينا وكم عدسة يحتاج المرء ليملأ مخيلته بتلك الصور الساحرة بألوانها.

لعبة (شنكل بانه)

راوندوز الذي تبلغ مساحته 487 كم2 وهو من أقضية أربيل الجميلة لكون الجبال تتسابق في تطويقه بالحسن حيث تطل عليه سلسلة جبال كورك وهندرين وبانك وخرند الذي يشقه الى قسمين أخدود خرند أو ما يسمى بوادي الانتحار الذي سنروي حكايته في نهاية التحقيق، وتتربع على عرش الجمال في راوندوز عدة مناطق، فالعيون السحرية في (جنديان) وكذلك شلالات بي خال وكلي علي بك وكلي (اكويان) الساحر الذي ترى العوائل فيه وقد غطاها الشجر وسط هدير العيون بمياه كأنها الدر المنبثقة من ثدايا الجبل، وأنا أرى الثلج لا يزال ماسكا بحنان قمة هندرين، خشيت من سمرتي أن تعكر قلب الثلج٬ وأنا انظر لقمة الجبل تذكرت الشاعر الكبير عبد الله كوران وهو يقول : “وان يكن الحسن أرضا ربيعية٬ لكنها تحتاج الى سماء تباركها)، في راوندوز منتجع على جبل بانك سمي باسمه وفيه لعبة (شنكل بانه) وهي عجلات صغيرة تسير على سكة قطار متحركة من أعلى الجبل الى أسفله حيث تسير في طرق ملتوية تريك الجمال بصورة الكمال.

منجم الفن والفنانين

يبين مصطفى إن اغلب مثقفي راوندوز كانوا ينتمون للحزب الشيوعي٬ مضيفا بأنه ينحدر من عائلة شيوعية معروفة، لكن اغلب مواطني راوندوز الآن موزعين ما بين الحزب الديمقراطي والاتحاد الكردستاني، وهذا ما جعل راوندوز منجما للفن والفنانين لذا نجد في القضاء معهد الفنون الجميلة وتقام بين فترة وأخرى مهرجانات موسيقية ومعارض فنية، لذا كما يقول مصطفى تخرج من راوندوز العديد من المواهب الفنية والأدبية، ومنهم محدثي عازف العود الذي تربى على يده اغلب الموسيقيين وهو خبير بجميع الآلات الموسيقية ومن تلامذته آمانج غزي الأستاذ في كلية الفنون باربيل، وجتو صالح نوروز أستاذ معهد الفنون الجميلة، وسيد احمد جبار المشرف على فرقة الفنون الشعبية في أربيل.

القائم مقام عازفاً للعود

إضافة الى مهام سيروان عبد الله السيريني الذي يشغل حاليا منصب قائم مقام راوندوز فهو عازف كمان متمكن، بينما يذكر زرارلي تلك المعلومة التفت الى مدننا المتشحة بالسواد٬ وبمن جاءها من بعض المسؤولين الذين يحرمون الموسيقى والغناء ٬ بل إن مهرجان بابل منعت فيه الموسيقى وحرم الغناء، وهم يحاولون جاهدين إعادتنا الى القرون المظلمة، لحظتها تمنيت أن أرى راوندوز ترقص سحراً وشعراً على أوتار كمان قائم مقامها

ذلك الرجل لا غني له (تعال وشوف عملات الدهر بينه)٬ عدت مع مصطفى ليقول من راوندوز أيضا المطرب ولي دوسكي مع فرقته (باشاي كه وره) وتعني الأمير الكبير والتي تأسست عام 1971 وقد سجلت في ذلك الوقت (77) أغنية عاطفية نصفها أصبحت دوبلاجات للفضائيات والمهرجانات، وفي راوندوز جمعية للفنون والآداب، وقد كرمت بطولات نوروز بنصب لامرأة ورجل من البيشمركة عام 1991 بعد الانتفاضة اسمه (هنكاو) وتعني الخطوة الى الأمام وقد عمله الفنان ظاهر صديق وهو من السليمانية ويقع النصب في مدخل المدينة.

شخصيات في ذاكرة المدينة

هناك جيل جديد وكبير من الفنانين الذين أنجبتهم راوندوز٬ ومنهم الرسام فرهاد شاكر مجرم والرسام صديق محمد أمين٬ وسلام نوروز وهو شاعر ورسام تخرج من كلية الفنون الجميلة في بغداد٬والرسام رزكار فقي عبد الله، والرسام أمير محمد أمين الذي يعيش حاليا في اليونان. من رموز المدينة كما يقول مصطفى قائد راوندوز عام 1920 إسماعيل بيك وهو شخصية سياسية واجتماعية ونائب في مجلس الأعيان العراقي٬ وعلي حيدر سليمان وهو شخصية اجتماعية بارزة ومن عائلة عريقة، وفي العهد الملكي أصبح وزيرا للداخلية، والطيار عزيز إمام كاكيل الذي اشترك في حركة رشيد عالي الكيلاني وأصبح بعدها طيارا زراعيا، ومنها أيضا سيد طه شمزيني وهو من عائلة عريقة وأصبح قائم مقام راوندوز عام 1923 وهو شخصية اجتماعية معروفة على مستوى العراق وكردستان، والسياسي نوري باويل آغا الذي حارب الانكليز أيام الاحتلال البريطاني نصرة للعثمانيين٬ وحاليا العديد من الشخصيات السياسية الموجودة حاليا مثل آزاد جنديان سكرتير حزب الاتحاد الوطني وكذلك عضو مجلس النواب السابق فرياد

مكتبة المدينة

اما عن شعرائها فيذكر مصطفى الشاعر مصطفى مظهر الذي كان يكتب باللغات الكردية والعربية والفارسية والتركية وله العديد من الكتب المترجمة الى جميع تلك اللغات٬ والشاعر الصوفي ملا وهبي احمد الذي له عدة مؤلفات٬ الشاعر نزهت وهو من الشعراء الكرد الكلاسيكيين واغلب قصائده غزلية وصوفية. ودعنا الرائع زرار٬ ورحنا نبحث عن رافد الثقافة في القضاء فوجدنا السبب الأول في المكتبة العامة الكبيرة بكتبها وتنوعها، دخلنا المكتبة التي يزينها مدفع قديم للاسطة رجب. يقول شاخوان عاجي الياس أمين القسم الكردي في المكتب: إن المكتبة مقسمة الى ثلاثة أقسام، الأول للكتب العربية والثاني للكتب الكردية والثالث للكتب الانكليزية٬ مضيفا إن هناك قسما للأرشيف لأرشفة الصحف والمجلات٬ وبين الياس إن الاستعارة تتم عن طريق سحب هوية الأحوال المدنية من المستعير أو أي مستمسك آخر٬ موضحا إن رواد المكتبة ليسوا من راوندوز فقط٬ فهناك رواد من قضاء سوران وقضاء جومان وميركه سور٬ ومن مناطق خليفان وكروان وبي خال وكروان، واكويان التي توجد فيه مكتبة أهلية٬ ويؤكد الياس إن أكثر رواد المكتبة من طلبة الجامعات والمعاهد وخاصة من جامعة سوران ومعهد الفنون الجميلة.

غطرسة الفراعنة

غادرنا سحر الحروف وأخذنا نطوف بسحر الطبيعة فهنا الجمال يتغطرس كالفراعنة ولا ألومه أبدا فضحكته هنا شاهقة كقمة جبل هندرين وهو يحضن الثلج كأبيض شفاه تمكيجت به شفاه قمته٬ وبين سعادة الجمال وضحكته يلتفت القلب صوب مصيبتي عفوا عاصمتي مرددا بخيبة مجروح ينوح (يا حريمة…يا حريمة..انباكت الجلمات من فوك الشفايف…يا حريمة…لا ولك لا لا لا أعلى بختك…ماني سالوفة صرت بين الطوايف… يا حريمة …يا حريمة).

وأنا أطوف بشوارع تلك المروج وجدتني أتذكر المؤرخ العراقي الكبير الدكتور كمال مظهر وهو يقول لي الأكراد ظلموا تاريخيا وجغرافيا لكونهم في طبيعة مغلقة على عكس العرب لكونهم في أراض مفتوحة٬ فانا أوافقه بمسألة التاريخ لكن جغرافيا لا أوافقه لأنه أي عاقل يترك هذه الجنة، الجنة بكل شيء بورودها ببلابلها بفراشاتها٬ بجبالها بوديانها بأشجارها بعسلها بمروجها بكل شيء فيها بهوائها الذي يردد مع الشاعر نصيف فلك (تعلم من الهواء كيف يحكم العالم دون ان يراه احد).

وادي انتحار العّشاق

راوندوز كانت قديما في وادي كاولوكه في سفح جبل زوسك كما يقول زميلي ومرشدي في الرحلة كاروان٬ أما الآن فتحيطها عدة جبال مثل هندرين وكورك وخرند٬ ولجبل خرند وواديه حكايات من العشق٬ حيث شهد هذا الجبل العديد من حالات الانتحار للشباب عاشقين وعاشقات، وحدثت اغلبها بسبب معارضة الأهل لحالات الحب بين الشباب، ورفض العشاق للزواج وفقا للتقاليد الموروثة٬ ويحدثني كاروان عن محاولة انتحار غريبة لعاشقين فمع سقوطهما من جبل خرند لم يقعا على الصخور وإنما وقعا وسط مياه كلي خرند وبقيا أحياء داخل الكلي لمدة ثلاثة أشهر٬ وكان الناس يزودوهم بالطعام من خلال تزويدهم به بواسطة الأكياس٬ وبعد الأشهر الثلاثة عثر عليهما احد الرعاة الذي كان يسوق قطيعه وسط الكلي وأنقذهما من الموت٬ ثم تم حل المشكلة بفصل عشائري بين أهل الشاب والفتاة وتم زواجهما وهما الآن موجودان في راوندوز٬ لا كاروان وافق ان يوصلني إليهما ولا حتى ذكر اسم العريس أو العروس لرفض التقاليد البوح بذلك الأمر.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى