مدن

نبذة عن مدينة كويه . كويسنجق

نبذة عن مدينة كويه . كويسنجق

 


تقع كويه جغرافيا في قلب كردستان العراق، علی بعد متساو تقريبا من مدن اربيل وكركوك والسليمانيه و رانيا. هذا الموقع الاستراتيجي مكنت المدينة من ان تزدهر وتصبح واحدة من اكثر مراكز التجارة والتعليم والتكامل الثقافي في كردستان ،
جغرافية قضاء كويه التي تمتد مابين سفوح سلسلتي جبال هيبت سلطان وباواجي حتى ضفاف الزاب الاسفل، تشكل مستوطنة آثار كبيرة، وهذا القضاء يتبع محافظة اربيل ويشكل الجسر الذي يربط محافظات اربيل والسليمانية وكركوك مع بعضها البعض .من الخصال المعروفة عن أهل كويه، انهم اناس يتحلون بروح النكة والفكاهة، ويمتازون بحبهم للثقافة والفنون .

خانات كويه

كأي مدينة كوردستانية قديمة، يوجد في بلدة كويه عدد من الخانات، الذين اتلقيناهم لايتذكرون سوى ثلاثة منها خان كوره (الكبير)، خان قادر ياسين، وآخر لم تبق معالمه، والخان عموماً عبارة عن مبنى تجاري متعدد الاغراض، السلع والبضائع التي كانت ترد الى البلدة يتم خزنها ومن ثم بيعها في الخان، ويوجد في كل خان غرف خاصة لايواء النزلاء من الباعة والتجار والمسافرين، وكذلك اسطبلات للحصن والبغال التي كانت تنقل السلع والبضائع.

خان كوره ( بالعربية تعني الخان الكبير) يبدو انه من اشهر واكبر خانات البلدة، طراز بنائه مماثل لطراز بناء خانات كركوك، الا انه اكثر بهاء وتطوراً من ناحية الريازة المعمارية وتفاصيل البناء، تتوزع غرف وحانات الخان على ارض مربعة الشكل تبلغ مساحتها اكثر من الفي متر مربع، اعتمد فيها الحجر والجبس وكذلك الاخشاب والقصب كمواد بناء، وريازته تعتمد على الاقواس والاعمدة الفخمة وكذلك المساند الجانبية، واستعين بزخارف لونية ومرمرية لتزيين السقوف واعالي النوافذ والابواب، والمبنى عموماً يعاني من الاهمال الشديد وبعض الحرفيين موجودون فيها حالياً ويزاولون حرفهم في اجزاء متفرقة منه.

اننا نرى انه من الضروري ان تبادر وزارة السياحة في كوردستان لاستملاك هذا الخان التراثي الذي لايخلو من معالم ودلالات تاريخية عديدة وعميقة لطراز العمارة الكوردستانية التي لايقرها عدد لا بأس به من المعنيين نظراً للاستلاب الحضاري الذي تعرضت له كوردستان.

قيصريات

احد اهم معالم المدن الكوردستانية القديمة هو اسواقها، وكان يطلق على مجموع المحال المتجمعة ضمن مبنى واحد بالقيصرية.. والقيصرية هي سوق او ربما يمكن تشبيهها بالاسواق المركزية الحالية (السوبر ماركيت) والتي كانت تحوي مختلف انواع السلع والبضائع وحرفيين يمارسون حرفهم ويبيعون ماينتجون، وتتكون القيصرية من عدة ازقة داخل مبنى مسقف يشغل مساحة واسعة تبلغ عدة آلاف الأمتار المربعة، الدكاكين والمحال تتوزع بشكل متراص في جميع الاضلاع الداخلية للمبنى، اضافة لدكاكين ومحال اخرى موجودة في بعض الواجهات الخارجية لمبنى القيصرية وحسب الضرورة الهندسية والتجارية لموقع المبنى.

مباني قيصريات كويه تنم عن طراز معماري فريد، للاسف لم تستطع الاجيال التالية من المهندسين والبنائين والمعماريين تطويره وتحويره بما يتلاءم مع روح العصر وتطوراته، وبذلك تم أهماله والتغاظي عنه ولأسباب غير معقولة أو مسوغة اطلاقاً.

واقدم قيصرية باقية حتى الان في بلدة كويه هي قيصرية حاجي بكر آغا حويزي التي تم بناؤها عام 1840م وتحوي في داخلها اكثر من 90 محلاً، وتقع الان وسط مدينة كويه، وكانت مهملة متروكة لعشرات السنين، وتمت اعادة اعمارها وتأهيلها في العقد الاخير من القرن الماضي، ويوجد فيها الان عدد من الحرفيين والباعة.

ويوجد بالقرب من قيصرية حاجي بكر آغا قيصرية اخرى يطلق عليها (قيصري نوى) اي القيصرية الجديدة التي انشأها حاجي عبدالله مصطفى مسكين ربن عام 1904م، وهذه القيصرية تمتد على مساحة ارض واسعة، ولم يتسن لنا مشاهدة جميع اجزائها نظراًٍ لاغلاق بعض ابوابها وازقتها، وحريّ بوزارة السياحة ان تتولى مسألة استملاك ورعاية قيصريات كويه نظراً لاهميتها البالغة من الناحية التراثية والمعمارية والتأريخية.

 

البيوت التراثية

مثل سائر المدن القديمة، يوجد في مدينة كويه عدد كبير من المباني التراثية التي يرجع تاريخ بنائها الى القرنين الاخيرين، وتحمل هذه المباني التراثية معالم حضارية ومعمارية غنية، ويوجد في عدد من احياء كويه القديمة العديد من المنازل التراثية، المختصون في التراث والريازة المعمارية يستطيعون التوصل الى المشترك وما يجمع بين الابنية التراثية في كويه واربيل وكركوك وباقي مدن كوردستان القديمة، حيث نلاحظ سيادة انماط معمارية محلية ذات امتدادات في عمق التاريخ، ويأتي تطابق المواد المستعملة في البناء والمستمدة من المواد الانشائية المتوفرة في بيئة كوردستان الجبلية، لتضيف خصائص محددة الى طبيعة الابنية والطراز المعماري الشائع في كوردستان، هذه الامور يستطيع الاثاريون والتراثيون والمختصون في فن العمارة ان يتعمقوا فيها بشكل اكثر تفصيلاً.

احدى الابنية التراثية التي كانت في السابق مسكنا لكمال حاجي مجيد وبنيت عام 1935 وتحولت تاليا الى مدرسة دينية تدعى (سوختة خانة ملا رش)، والسوختة هي درجة دراسية تطلق على طلبة الدراسة الدينية الاهلية، حيث يطلق على الطالب المبتدئ بـ(فقي) ومن ثم يصبح (سوخته) وبعدها يبلغ مرحلة الـ(مستعد)، وتاليا حصوله على الاجازة العلمية الدينية ليصبح رجل دين (ملا) يتولى الامامة والخطبة في مساجد كوردستان، (سوخته خانة كويه) مبنى اثري ذو طابقين تتوافر على العديد من عناصر العمارة الشرقية يتوسط فناء مركزه حوض ماء مربع.

ومن أشهر المباني التراثية في بلدة كويه هي منازل كل من حاجي طه، جميل آغا، كاكه جاف ورسول آغا، احمد بك، كمال حاجي مجيد، امين آغا (الشاعر المعروف اختر)، ومراد آغا، معرفة اسماء هذه المنازل والأطلاع عليها كان بمساعدة السيد محمد مغديد عبدالله مساعد مدير دائرة آثار كويه، والسيد قانع عبدالله رشيد موظف آثار كويه الذي رافقنا مشكوراً لساعات في جولة ميدانية للاطلاع على العديد من المعالم الاثارية في كويه وضواحيها، والسيد قانع عبدالله موظف آثار ذو اطلاع واسع في التراث والاثار.

 

قلاع وحصون

لاجدل في ان كوردستان تمتلك كنزاً ثميناً من المعالم الاثارية، فأقاليم كوردستان التي تمتد من ارارات وشرق الاناضول وميزوبوتاميا (شمال مابين النهرين) وزاكروس، شهدت ظهور اقدم المستوطنات البشرية واول المعالم الحضارية على مستوى المعمورة، لا احد يستطيع تحديد مهبط سيدنا آدم (ع)، الا ان رسو سفينة سيدنا نوح (ع) على قمة جبل (جودي) شمال كوردستان مسألة محسومة، مما يعني ان كوردستان تشكل الموطن الاول للسلالة البشرية الثانية، وقد توالت الامم والاقوام والحضارات البشرية على هذه الارض المباركة على مر التأريخ، وأعتدال المناخ وملائمة البيئة جعلا من كوردستان موطنا سرمديا للاجيال البشرية التي تركت بصماتها على اديمه.

التحريات والتنقيبات الاثرية التي ان تيسر اجراؤها في كوردستان، فأنها بلاشك ستؤدي الى اكتشاف اسرار بالغة الاهمية في تاريخ المنطقة، ما اجريت من تنقيبات اثرية قليلة ومحددة حتى الان في ارض كوردستان، جرت تحت غطاء سياسي ايديولوجي، مما يعني تحريفاً اكيداً للحقائق وحجب القدر الاكبر منها، وذلك خدمة لاهداف سياسية تبغي تجاوز الوجود الكوردي في جغرافية كوردستان.

ويوجد في كويه والمناطق التابعة لها عدد من القلاع والحصون التاريخية التي تعود الى فترات متفاوتة وسحيقة من تاريخ المنطقة، اولى هذه القلاع والحصون هي قلعة وحصن القشلة وسط مدينة كويه، هذه القلعة المحصنة تقع على تلة مرتفعة تشرف على جميع احياء المدينة ويستطيع منها المرء مشاهدة مديات واسعة من اراضي هضبة كويه والقرى المحيطة بها، مساحة هذه القلعة تبلغ آلاف الامتار المربعة وهي ذات ميزة  عسكرية دفاعية. قلعة شيله تقع جنوب كويه باتجاه نهر الزاب وكركوك، مساحتها اكثر من 400 م2 عثر فيها على معبد زرادشتي. قلعة دولي مومن سميت بأسم امرأة تدعى (مومن) حكمت المنطقة، تقع هذه القلعة شمال غرب المدينة، عند ملتقى جبلي باواجي وهيبت سلطان، المعمرون من ابناء كويه يقولون بأن مومن كان لها اخوان يدعيان (كاكه  جوك) و(آوكرد)، وكان لكل منهما قلعته الخاصة، روايات شفهية ترد على لسان معمري كويه تقول، بان صحون الآكل والمؤون كانت تنقل فوق الاسطح من خلال صف من الرجال (وربما النساء) يناول احدهم الاخر الصحون وهم واقفون في اماكنهم دون حراك من قلعة (مومن) حتى قلعة (آوكرد) اثناء تخندق المحاربين للدفاع ضد الغزاة، والمسافة الحالية بين القلعتين تبلغ سيراً على الاقدام، حوالي نصف ساعة، مما يعني ان مدينة عامرة كانت موجودة آنذاك تمتد بين القلعتين واطرافهما، وحالياً لم يتبق من معالم تلك المدينة سوى آثار القلاع الثلاث (مومن وكاكه جول وآوكرد) وآبار وكهاريز المياه التي كانت تروي سكان المدينة التي لم يعرف اسمها حتى هذه اللحظة.

قلعة ساتوقلا احدى اهم قلاع المنطقة، تقع على الضفة اليمنى لنهر الزاب الذي يفصل ناحية طقطق التابعة لاربيل عن ناحية شوان التابعة لكركوك، أهالي قرية ساتوقلا يروون الكثير من الحكايات والاساطير عن تاريخ قلعتهم واسرارها العجيبة، الا ان المؤكد من المعلومات هو ان تاريخ هذه القلعة يعود الى اكثر من الفي عام وكان لها حصن لم يبق له اثر يمتد الى سراديب في عمق القلعة، ويرتبط من خلال بوابة يليه طريق سلمي (مدرج) بنهر الزاب، ولقلعة ساتوقلا ميزة دفاعية غاية في القوة والمنعة فمهما حاول الغزاة النيل من القدرات الدفاعية للمقاومين، تبقى القلعة عصية على الخضوع، فما حصل لقلعة دمدم رغم الدفاع المستميت لسكانها ضد جحافل الشاه عباس الصفوي، من خضوعها بعد قطع سريان مجرى النبع الذي كان يزودهم بالماء، لم يكن متيسراً تكراره في قلعة ساتوقلا، لان احدى الجهات الاربع للقلعة كانت ملامسة لنهر الزاب مما يعني استحالة تكرار ماحصل في دمدم.

قلعة (بوكد) تقع في منطقة قريبة من الزاب شرق مدينة كويه، وهذه القلعة تقع ضمن امتداد هضبوي يوفر قدراً كبيراً من الحصانة والمنعة العسكرية ضد هجمات الغزاة، والحديث يطول حول قلاع وحصون كويه، ربما يصعب الاحاطة بجميعها عبر تحقيقنا الصحفي هذا، ونختتم جولتنا بالاشارة الى حصن كونه قه لا (كونه قلا – أي القلعة القديمة)، وهي عبارة عن حصن مربع يبلغ طول اضلاعه زهاء 100م، يقع الحصن في السهل الممتد نحو جنوب شرق بلدة كويه، تم بناؤه بالآجر والاحجار الطبيعية، زواياه الاربعة عبارة عن اقواس ربما كانت قواعد لابراج مراقبة ويوجد وسط كل ضلع قاعدة برج للمراقبة، هذا الحصن يبدو شبه مطمور تحت التراب، منازل احد احياء المدينة وصلت بالقرب منه وبني مسجد في جنوب الحصن، جرافات قامت بنقل الكثير من مخلفات التلة الترابية التي تشكلت عبر الزمن حول الحصن حتى بات حصن (كونه قلا) مهدداً بالفناء… دائرة آثار كويه عبر امكانياتها المحدودة تداركت الامر وقامت ببناء ساتر ترابي يبلغ ارتفاعه 30 – 40 سم لحمايته.

 

جامعة كويه :

جامعة كويه الحديثه‌ العهد انشئت فى كويه التاريخيه القديمه‌ العهد، فی عام 2003.  نظرا لموقعها الاستراتيجي وامكاناتها الاقتصادية و السكانيه، كانت مدينه‌ كۆيه‌ (كويسنجق) طوال قرون مركزا مهما من مراكز التعليم والتدريب. فهی مهد العديد من المشاهير الدينية والعلميه و الاجتماعية والسياسيه.  ها هی الان تحتظن مؤسسه‌ جامعية عصريه و تدللها كعروستها المفظله.

تقع كويه جغرافيا في قلب كردستان العراق، علی بعد متساو تقريبا من مدن اربيل وكركوك والسليمانيه و رانيا. هذا الموقع الاستراتيجي مكنت المدينة من ان تزدهر وتصبح واحدة من أنصع مراكز التجارة والتعليم والتكامل الثقافي في كردستان.

الجامعة قد ركزت جهودها من اجل تحقيق الاهداف الرئيسية، الا وهي تمكين الطلبه من تحقيق الغايات الاكاديميه بالاظافه الی تعزيز نموهم الشخصى. الجامعة تحتوی علی مجموعة واسعة من دراسات اكاديميه‌ تفاعليه و برامج اجتماعيه تحفيزيه.

يوجد حاليا 10 كليات و 29 اقسام علميه في داخل الجامعة. وهناك ما يقرب من 4000 طلبه‌ جامعيه (60 ٪ من الذكور و 40 ٪ من الاناث) يدرسون من قبل هيئه اكاديميه‌ باحثه نشطه و متحمس

 

كويه.. مستوطنة اثرية

لسنا نبالغ حين نقول بان جغرافية قضاء كويه التي تمتد مابين سفوح سلسلتي جبال هيبت سلطان وباواجي حتى ضفاف الزاب الاسفل، تشكل مستوطنة آثار كبيرة، وهذا القضاء يتبع محافظة اربيل ويشكل الجسر الذي يربط محافظات اربيل والسليمانية وكركوك مع بعضها البعض، جغرافية تمتد الى عمق التاريخ الذي لم يتم تناوله بما فيه الكفاية للكشف عن اسراره وخفاياه.

كويه احد اقدم الاقضية العراقية منذ العهدالعثماني، يتبعها حالياً نواح عدة منها طقطق، شورش، آشتي، سكتان، سيكردكان… السلطات العراقية السابقة حاولت محاصرة هذا القضاء ومن ثم مسحه من الوجود وترحيل جميع سكانه، خلال حملات الانفال سيئة الصيت  تمت ازالة جميع قرى كويه التي تبلغ اكثر من 120 قرية، وتم انزال المرتبة الادارية لها الى ناحية ولم يبق من توابعها سوى ناحية طقطق التي حولها النظام السابق الى قرية باسم قرية العزيزية، وذهب الآلاف من ابناء القضاء ضحايا لهجمات الانفال.

لكل هذه الاسباب لم تتطور كويه عمرانياً على مدى ثلاثة عقود متتالية وعدد سكانها قبل عام 1991 كان مابين 30-34 الف نسمة، وبعد انحسار السلطات الدكتاتورية عنها، دخلت بلدة كويه مرحلة اعمار وتطور ملحوظة، وبالذات بعد تأسيس جامعة فيها باسم (جامعة كويه) وكذلك بدء العمل في حقول شيواشوك وطقطق النفطية الكائنة غرب وجنوب كويه، ويوجد الان في كويه معهد تقني وآخر للفنون الجميلة وشهدت المدينة حركة عمرانية واسعة تضاعف جراءها عدد سكانها حالياً ليبلغ 60-65 ألف نسمة، فيما يبلغ عدد سكان القضاء كاملة قرابة 125 ألف نسمة.

السيد محمد مغديد عبدالله معاون مدير آثار كويه قال: يوجد لدينا 64 موقعاً اثرياً مكتشفاً ضمن جغرافية قضاء كويه، هذه المواقع الاثرية تقع ضمن حدود 33 قرية من قرى القضاء بواقع موقع اثري واحد الى اربعة مواقع اثرية في كل قرية.

والآثار المكتشفة في هذه المواقع تعود الى عصور ماقبل الميلاد، البعض منها كانت مراكز لدويلات المدن وكذلك كان البعض منها مدناً مهمة توسعت في بعض العصور وانحسرت في اخرى وتلاشت في عصور تالية، ومثلما اسلفنا فان العديد من المواقع الاثرية في كويه هي حصون وقلاع عسكرية، ولم تجر التنقيبات اللازمة لأضهار حقيقة تأريخ المنطقة.

مدن وجغرافية للدفاع

بعض اللقى الآثارية التي شاهدناها في دائرة اثار كويه كانت مدهشة حقاً، وعاء فخاري كبير يعود الى موقع ساتوقلا الاثري كان مثيرا من جوانب عدة، صناعته كانت ذات جودة وحرفية بالغة الدقة والجمال، يمكن ان يكون وعاء لحفظ المؤون، وهو ايضا قابل لاتخاذه كمقعد او كرسي للجلوس- حال قلبه رأساً على عقب-فيه نقوش هندسية جميلة جداً باللون الاصفر الذي لم يتغير رغم مرور آلاف السنين على صنعه.

وفي قراءة عاجلة لمواقع المدن والقلاع والحصون الاثرية في كويه واطرافها، يمكن للمرء ان يستنتج الآتي: المدن هنا عاشت حالة خاصة من خلال امتلاكها لموقعين او اكثر، موقع سهلي يتلاءم مع متطلبات التجارة والزراعة ومزاولة الحرف المختلفة، الى جانب موقع عسكري دفاعي لصد الهجمات المحتملة للغزاة والمهاجمين، وتدل القراءة الاولية ايضا الى ان المدن والمستوطنات البشرية شهدت حالات انتقال وتغيير المواقع طبقاً للوضع الأمني للمنطقة، ونظراً للموقع الجغرافي المهم لكوردستان، كونها تشكل قلب الشرق الاوسط وملتقى الحضارات وممر الجيوش وامتداد الامبراطوريات، فجميع الامبراطوريات التي ظهرت على مدار التأريخ الشرقية منها والغربية قد تصارعت على ارض كوردستان، ومنها الآشورية والميدية والاخمينية والفرثية والرومانية واليونانية والساسانية والاموية والعباسية والعثمانية، لذلك طرأت على المشهد العمراني والبشري لكويه وباقي مناطق كوردستان تغييرات هائلة على مر العصور، وآخر تغيير شهده جنوب كوردستان (كوردستان العراق) كان خلال حملات الانفال التي ابادت ربع ميلون كوردي ومسحت 4500 قرية وقرابة 20 بلدة كوردية من الوجود.

هذه التغييرات الصارمة فرضت حالة من اللجوء الى التحصن واتخاذ الدفاعات الجغرافية، مدن تفنى وتباد ويعاد بناؤها مجدداً او يعاد بناء مدن بديلة عنها، ولو قارننا مواقع قلاع وحصون (دولي مومن) و(قشلة كويه) و(كونه قلا) و(شيله)، لامكننا استنتاج حالة يمكن ان نطلق عليها الجغرافية الدفاعية لمدن المنطقة.

والمعمرون من ابناء كويه يقولون: ان الموقع الحقيقي لمدينة كويه كان عند موقع يدعى الان (كاني بي) يقع عند سفح جبل باواجي شمال غرب كويه الحالية.

جوارتاقان ومزارات

احد الاحياء القديمة في اربيل تدعى سيتاقان، هذا الاسم يتكرر في كويه لكن بمعنى مغاير، باتجاه غرب المدينة يوجد مكان يدعى سيتاقان والى جنوبها يوجد مكان آخر (هذا المكان أصبح الان داخل البلدة) يدعى جوارتاقان، سيتاقان وجوارتاقان هما عبارة عن مكان لاستراحة المسافرين، مبنى متواضع يعتليه قبة واطئة، وكلمة سيتاقان مشتقة من سي (ثلاثة باللغة الكوردية) اذا كانت القبة تستند على ثلاث ركائز ولها ثلاثة اقواس (تاق-طاق) ولاحقة (ان) للجمع، وجوارتاقان مشتقة من جوار (اربعة باللغة الكوردية) اذا استندت القبة على اربع ركائز وكان لها اربعة اقواس، المسافرون ايام زمان قبل ظهور السيارة، كانوا بحاجة للراحة بعد قطع مسافات طويلة، الماء والظل كان متوفراً لهم بالمجان في سيتاقان وجوارتاقان.

ويوجد في كويه العديد من المزارات الدينية ايضاً، سكان كويه القديمة كانوا خليطاً من المسلمين واليهود والمسيحيين، للمسلمين مراقد ومزارات عدة، منها بابير فقي احمد في قلعة قشلة كويه، هيبت سلطان عند سفح جبل يحمل ذات الاسم، شيخي شيخ موسري، ودرويش خدر، وللمسيحيين مزار يدعى مربين قديش قرب قرية طوبزاوه جنوب غرب كويه، هذه المزارات يؤمها الآلاف سنوياً.

مدينة الفن والثقافة

كويه من امهات مدن كوردستان التي انجبت الفطاحل والمشاهير في الادب والفن، جولتنا تبقى ناقصة من دون التطرق الى الافذاذ من ابنائها، ويأتي الشاعر الكوردي الشهير حاجي قادر كويى في المقدمة، فهو من طلائع شعراء الفكر القومي الكوردي ويمكن اعتباره وريثاً للشاعر المفكر احمدي خاني ومدرسته القومية، دلدار صاحب النشيد الوطني الكوردي (أي رقيب) هو من ابناء كويه ومدفون في احدى مقابرها، سلسلة من الشعراء الكلاسيكيين الكورد انجبتهم هذه المدينة، نذكر منهم عوني، خادم، سامي عودال، اختر، وكذلك الشاعر المجدد دلزار وأنجبت كويه العديد من الكتاب وأبرزهم العلامة ملا محمد جلي زاده الملقب بـ(ملاي كه وره) ونجله العلامة المفكر الراحل مسعود محمد، وكاتب التراجم المعروف كريم شارزا، والشاعر المجدد قباد جلي زاده، والقائمة تطول ولاتنتهي باحصاء الاعلام البارزين من ابناء كويه، ولاباس من الاشارة الى كبار فناني هذه المدينة، وهي تمتلك فرقة موسيقية نشيطة وشهيرة تدعى فرقة باواجي، قدمت في سبعينيات القرن الماضي مجموعة قيمة من الاغاني الكوردية، ومن ابرز فناني كويه قارئ المقامات الاشهر سيوه وكذلك المطرب الشهير طاهر توفيق، والمطرب ملا اسعد وكذلك المطرب الموسيقي والكاتب الفنان باكوري، ومن التشكيليين يأتي الفنان رستم آغاله مدير كاليري زامو في المقدمة.

عزيزان

من الخصال المعروفة عن أهل كويه، انهم اناس اريحيون يتحلون بروح النكة والفكاهة، ويمتازون بحبهم للثقافة والفنون، بليغون وصريحون اثناء التكلم، وكل فرد من ابناء البلدة له لقب خاص يتبع اسمه، والألقاب تأتي كتعبير صميمي عن شخصية الفرد يطلقها الاصدقاء والاقرباء والاناس القريبون من الفرد، والالقاب تشاع بين الناس دون أي حفيظة، وللوقوف عند مشهد صغير لروح الدعابة لدى ابناء البلدة، التقينا صاحب اقدم مقهى في كويه، ويطلق على صاحب المقهى بالكوردية (جايجي) وعلى المقهى بـ(جايخانة)، عزيز طاهر هو اقدم صاحب مقهى في كويه، قال لنا: انا (جايجي) منذ ولدت عام 1934، وتبعاً لحالتي الاقتصادية فقد انتقلت حتى الان بين (20) مقهى، وهو يفتخر بان جميع سكان كويه بمن فيهم مشاهيرها قد شربوا الشاي في مقهاه، واشهر انواع الشاي حسب اعتقاده هو (شاي السيفين) الذي كان شائعاً ايام نوري السعيد، فاستكان منه (حسب قول عزيز) يعادل 40 قدحاً من الشاي الحالي، يبيع الان يومياً 200 استكان شاي، فيما كان يبيع سابقاً مابين 500-600 قدح في اليوم الواحد، ولقبه عزيز كوباز (كوباز تعني بالكوردية المولع بتربية طائر القبج)، وهو يقول بانه يهوى تربية جميع انواع الطيور والحيوانات الأليفة.

عزيز كوباز دخل دردشة كلامية مع جاره عزيز حاجي باسه الذي اخذ يهاجمه بتعليقاته الكلامية الحلوة وهو يدعوه لتناول قطع من الفجل، العزيزان (عزيز كوباز وعزيز حاجي باسه) دخلا في لجة كلامية طريفة أدخلت السرور في قلوب السامعين الذين اجتمعوا مستمتعين بمشادتهما الكلامية الظريفة، والاثنان معمران تجاوزا السبعين من عمرهما.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى