مدن

الكورد في بلاد مصر

الفصل الثالث:الكورد في بلاد مصر

تعد مصر من أكثر البلدان العربية التي كانت لها علاقات وثيقة وقديمة بالكرد، فوجدت علاقات قديمة بين الميتانيين الكرد والملوك الفراعنة منذ القرن الرابع عشر قبل الميلاد، برزت من خلال زواج بعض الأميرات الميتانيات من الملوك المصريين أمثال الملكة الجميلة نفرتيتي التي حكمت عرش مصر. ورغم قلة المصادر التي توضح لنا صور وأشكال تلك العلاقات بينهما في ذلك الحين، فإننا نستطيع رصدها بشكل واضح بعد الفتح الإسلامي لكردستان ودخول الكرد كمكون جديد للأمة الإسلامية، ساهموا مع إخوانهم من المسلمين في صنع الحضارة الإسلامية الزاهية، وأخذ الكرد يتوافدون على مصر على هيئة رجال حكم وإدارة وقادة عسكريين وجنود وتجار وطلبة علم طوال الحقبة الإسلامية، الممتدة عبر خمسة عشر قرنا من الزمان، ومن هؤلاء من استقر بمصر واتخذها دار سكن وإقامة، ومع الزمن اندمجوا مع السكان الأصليين وانقطعت جذورهم مع موطنهم الأول، ولم يبق لهم من تلك الصلة سوى الاسم، ومن صلبهم نبغ العديد من القادة العسكريين ورجال الإدارة والأدباء والشعراء والفقهاء والمحدثين والفنانين، وأسدوا خدمات جلى لوطنهم مصر، ومع ذلك لم ينكروا كرديتهم .

وفي مصر أيضاً شكّل الكرد لهم فيها دولتين عظيمتين، الأولى الدولة الأيوبية التي أسسها صلاح الدين الأيوبي، وأسهمت في رد الغزو الصليبي عن المنطقة، وساهمت في بناء نهضة اقتصادية وعمرانية وثقافية كبيرة يشهد لها التاريخ، مع إعادة نشر المذهب السني ونشره في مصر وبلاد الشام.

أما الدولة الثانية فهي التي أنشاها محمد علي باشا الكبير – أصله من أكراد ديار بكر – في أوائل القرن التاسع عشر الميلادي، واعتبر بحق مؤسس مصر الحديثة وصانع نهضتها العلمية والزراعية والعسكرية والصناعية.

كما نبغ في مصر طوال القرن العشرين عباقرة وقامات كردية كانوا من رواد حركة الإصلاح والتحرر والفكر والأدب والفن في مصر والعالم العربي، أمثال: الإمام المصلح محمد عبده، قاسم أمين، والأديب عباس محمود العقاد، وأمير الشعراء أحمد شوقي، والشاعرة عائشة التيمورية، والقاص محمود تيمور، والشيخ عبد الباسط محمد عبد الصمد، والباحث حسن ظاظا، والفنانة سعاد حسني، والمخرج السينمائي أحمد بدرخان وابنه علي.. والكثير الكثير من الرموز الكردية، التي ساهمت في صنع نهضة مصر الحديثة. وفي هذا المقال المطول نسلط الضوء على طبيعة العلاقة التاريخية بين الكرد ومصر منذ القدم وحتى اليوم.

العصر الفرعوني

إن أقدم علاقة تاريخية سجلت بين الكرد والفراعنة المصريين ترجع إلى الميتانيين (الحوريين) – أجداد الكرد، الذين شكلوا مملكة ميتاني في القرن السادس عشر حوالي سنة 1500ق.م، وعاصمتها ( واشوكاني) على نهر الخابور، وامتد نفوذها على جميع كردستان، وعرفهم المصريون باسم نهارين، وشكلوا طبقة أرستقراطية كانت مسؤولة عن إدخال الحصان والعربة إلى المنطقة. وانتهت هذه المملكة في عهد الملك الآشوري ( آشور ناصربال) سنة 1335ق.م.

وقد تعرضت مملكتهم للغزو المصري بزعامة تحتمس الأول، لكن الميتانيين استطاعوا التخلص من التبعية المصرية باتفاقهم مع الحثيين في أواخر القرن الثالث عشر قبل الميلاد، وأصبحوا يملكون قرارهم بأنفسهم. لكن في المقابل كانت هناك علاقات وطيدة بين الطرفين ترسخت في عهد الملك الميتاني ( توشرتا نحو 1390ق. م) الذي وصفته الوثائق المصرية بالصديق الموالي لمصر، وكانت بينه وبين ملوك مصر رابطة مصاهرة ونسب، وله مراسلات مطولة مع أمنحوتب الثالث ( توفي 1375ق. م). وأمنحوتب الرابع( توفي 1358ق.م). ووجدت بعض من هذه الرسائل المتبادلة في تل العمارنة مكتوبة باللغة الميتانية في نحو ستمائة سطر. وكانت إحدى شقيقاته من بين زوجات أمنحوتب الثالث، كما أن إحدى بناته المدعوة ( نفرتيتي) كانت زوجة أمنحوتب الثالث ومن بعده أمنحوتب الرابع.

وفي إحدى رسائل هذا الملك الميتاني التي كتبها لزوج أخته الفرعون المصري أمنحوتب الثالث(توفي 1375 ق.م) يخاطبه بهذه العبارات:

إلى ميمّوريا الملك العظيم، ملك مصر، أخي،

صهري الذي يحبني والذي أحبه،

هكذا يقول توشراتا الملك العظيم ، حموك،

الذي يحبك، ملك ميتاني، أخوك:

إنني في حالة حسنة، عسى أن تكون في حالة حسنة!

وبيتك، وشقيقتي وسائر نسائك وأولادك،

ومركباتك وخيولك وجيشك،

وبلادك وجميع ممتلكاتك.

ليكثر السلام عليك!(1)

كما تأثر المصريون القدماء بالديانة الحورية في عهد ملكهم أمنحوتب الرابع، ما بين عام (1371 – 1358 ق.م )، وشاركت العديد من الأميرات الميتانيات مع أزواجهن في حكم مصر أمثال الملكة المشهورة ( نفرتيتي ).

نفرتيتي الميتانية على عرش مصر

نفرتيتي تلك الملكة الميتانية الجميلة، التي حكمت مصر في ظل ديانة التوحيد (1369 ق.م) هي زوجة الملك أمنحوتب الرابع الشهير بأخناتون ( 1369-1353 ق.م) عاشر فراعنة مصر من الأسرة الثالثة عشرة، وأول من أعلن ديانة التوحيد بطريقة رسمية، ونادى بوحدانية الله الواحد الأحد، وكان يراه في قرص الشمس، وحطم الأصنام، وأعلن زهده.

واسم ( نفرتيتي) يعني الجميلة المقبلة، كانت شريكة زوجها في إعلان التوحيد، وعاشت معه حياة وردية رقيقة، أنجبت له ست بنات، وشاء القدر أن يحرمها من إنجاب من يرث العرش.

وصفها زوجها بقوله:” مليحة المحيا، بهيجة بتاجها ذي الريشتين، تلك التي إذا ما أصغى إليها الإنسان طرب، سيدة الرشاقة، ذات الحب العظيم، تلك التي يسّر رب الأرضين صنعها”. كما وصفها في مناسبات أخرى:”الجديرة بالمرح، ذات الحسن، حلوة الحب، جميلة الوجه، زائدة الجمال التي يحبها الملك، سيدة السعادة، سيدة جميع النساء”. لذلك تميزت بجمالها وجاذبيتها، وشخصيتها القوية على زوجها وانعكاساتها على عصرها.

تولت عرش مصر لفترة محدودة، ومنحت ألقاباً عديدة منها ” الزوجة الملكة العظمى”، و”سيدة مصر العليا والسفلى، سيدة الأرضين”. ثم وقعت في محنة الردة التي شقيت بنتائجها بعد وفاة زوجها، انتهت حياتها بمأساة، لها تماثيل نصفية خلدت جمالها الرائع، موجودة اليوم في متحفي برلين والقاهرة(2).

العصر الإسلامي

أما في العصور الإسلامية فقد ذهب الكثير من رجالات الكرد إلى مصر والقاهرة على شكل جنود وقادة عسكريين وطلبة علم لتلقي المعرفة من الجامع الأزهر، ومن الشخصيات الكردية التي برزت في مصر في العصر الفاطمي أحمد بن ضحاك أحد الأمراء الأكراد، الذي تولى في عهد الخليفة الفاطمي القادر بالله مناصب مهمة في الجيش المصري، واتفق أن جردت حكومة روما الشرقية جيشاً على قلعة ( آفاميا ) بالقرب من نهر العاصي تحت قياد القادة (دوقس داميانوس ــ دهلاسينوس )، واحتدمت المعارك بين الجيش الرومي والجيش المصري الذي كان بقياد القائد ( جيش بن محمد بن الصمصامة )، وأسفرت عن اندحار الجيش المصري الذي لم يبق منه سوى خمسمائة خيال، في حين كان قائد الجيش المنتصر يتمتع بنشوة الظفر من فوق ربوة عالية . فلم يتمالك القائد الكردي أحمد بن ضحاك من الاندفاع نحو القائد الرومي فهجم عليه بمفرده وأراده قتيلاً. وصاح عندئذ بصوت جهوري قائلاً : ” إن عدو الله قد قضى نحبه “، فأثر ذلك على معنوية الجيش المصري المدحور وعاد إلى ميدان النضال فهزم الجيش الرومي، فكتب النصر بذلك للجيش الفاطمي(3).

وبرز أيضاً الملك العادل أبو الحسن سيف الدين علي بن سالار، وزير الظافر العبيدي صاحب مصر. وكان كرديا من عشيرة ( زرزائي ) الساكنة في إيران، وقد ربي في القصر بالقاهرة، وتقلبت به الأحوال في الولايات بالصعيد، فعيّن والياً على الإسكندرية، وتولى الوزارة للظافر في القاهرة في رجب سنة (543 هـ)، ونُعِتَ بالعادل أمير الجيوش. واستمر في الوزارة إلى أن قتل بيد حفيد امرأته أم عباس ( نصر بن عباس ) في سنة(548 هـ/ 1152م)، بعد أن كان شهماً مقداماً ذا سطوة مع صحبته لأصحاب العلم والإصلاح. وعمر بالقاهرة المساجد، وبنى مدرسة في الإسكندرية للشافعية(4).

الكرد يؤسسون الدولة الأيوبية في مصر

من أرض مصر استطاع البطل الكردي الخالد صلاح الدين الأيوبي ( 1137-1193م) تأسيس دولته العظيمة التي استمرت أكثر من مائة عام، ومن القاهرة انطلق إلى الشرق لتوحيد بلاد الشام، ومن هناك قاد الجيوش الإسلامية لمقارعة الصليبين ودك معاقلهم، واستطاع هزيمتهم وكسر شوكتهم عقب معركة حطين الشهيرة 1187م، والتي مهدت السبيل لاسترجاع القدس وتحرير المنطقة من الغزو الصليبي.

يعد الملك المنصور أسد الدين شيركوه أول من ولي مصر من الأكراد الأيوبيين، وهو أخو نجم الدين أيوب، وعمّ السلطان صلاح الدين، وكان من كبار القواد في جيش
نور الدين زنكي بدمشق، وقد أرسله على رأس جيش إلى مصر (سنة 558هـ) لنجدة شاور بن مجير السعدي الوزير الفاطمي في مصر، واشتبك مع جيش ضرغام في بلبيس
وانتصر عليه وحاصره في القاهرة، ومن ثم وقعت الفسطاط في يده، واستلم القاهرة وقتل ضرغام. وبعد ذلك نبذ شاور صداقة شيركوه ومنعه من دخول القاهرة.
وعلى اثر ذلك أرسل شيركوه الأمير صلاح الدين لاحتلال بلبيس والشرقية، فلما علم شاور بالأمر استعان بملك القدس الصليبي وطلب مساعدته. وأرسل له جيشا قوياً
ووجهه إلى بلبيس، ودافع شيركوه عن بلبيس ثلاثة أشهر دفاع الأبطال وانتهى الأمر باتفاق ملك القدس مع شيركوه وأخلى الاثنان مصر سنة 558هـ .

رجع شيركوه مع جيشه إلى الشام. ولكن جيش ملك القدس خلافاً للمعاهدة وبدسيسة من شاور بقي في مصر، وعلى إثر ذلك قرر السلطان نور الدين زنكي مع شيركوه احتلال مصر. وبعد ثلاث سنوات من الحملة الأولى قام شيركوه على جيش يربو على ألفي محارب وتوجه إلى مصر بقصد احتلالها سنة 562هـ ، وبعد متاعب كثيرة وصل إلى الجيزة وتقابل مع جيش القدس الإفرنجي على الضفة اليسرى من نهر النيل، وعلى حين غرة هجم جيش القدس ولولا قيادة وحزم شيركوه لانتصروا عليه، ولكنه لم يقبل بالمصادمة وتوجه إلى الصعيد واشتبك في الحرب معه بالقرب من البابين وانتصر، واحتل الإسكندرية ونصب الأمير صلاح الدين قائداً عليها وترك نصف جيشه هناك، وأخذ الباقي وتوجه إلى الصعيد. أما ملك القدس فقد انسحب بعد خذلانه إلى القاهرة، وأخذ معه جيش مصر وحاصر الإسكندرية. وعلاوة على ذلك أرسل أسطوله لمحاصرة القلعة بحراً. فدافع الأمير صلاح الدين مقابل تلك القوة البحرية والبرية سبعين يوماً دفاعاً لا نظير له.

أما شيركوه فإنه تقدم بالقسم الباقي من جيشه وحاصر مصر. فإدارة شيركوه الحازمة وبطولة الأمير صلاح الدين أدخل الذعر إلى قلوب الأعداء واضطرهم إلى طلب الصلح، فلم يقبل شيركوه الصلح إلا على شرط إخلاء مصر من قبل الطرفين.

وفي الواقع أخليت مصر ورجع شيركوه إلى الشام، ولكن بعد فترة قصيرة أرسل ملك القدس جيشاً إلى بلبيس بقصد الاستيلاء على مصر وقام بأفظع الأعمال فيها، مما أجبر الحكومة الفاطمية نفسها أن ترسل هيئة من قبلها حاملة كتاباً وفي طيه جدائل نساء القصر تستغيث بالسلطان نور الدين زنكي. فأرسل السلطان شيركوه للمرة الثالثة على رأس جيش كبير إلى مصر قدر بنحو سبعين ألفا. فلما وصل خبر جيش الشام إلى ملك القدس خاف عواقب عمله وعاد إلى القدس في سنة 564هـ.

وصل شيركوه إلى القاهرة واستقبله أهلها استقبالاً حاراً ورحبوا به، وعلم بأن شاور بن مجير يأتمر به لقتله هو ومن ومعه من كبار القواد. فتعاون مع صلاح الدين على قتل شاور وأرسل رأسه إلى الخليفة ” العاضد” . الذي خلع عليه السلطنة ولقبه بالملك المنصور أمير الجيوش، وولاه الوزارة سنة 564هـ. ولم يقم غير شهرين وخمسة أيام . فتوفي فجأة سنة 564هـ /1169م. ودفن بالقاهرة. ثم نقل مع أخيه نجم الدين أيوب إلى المدينة المنورة ودفنا هناك، وقلد العاضد منصبه إلى ابن أخيه صلاح الدين الأيوبي ولقبه بالملك الناصر(5).

تولى صلاح الدين الوزارة وقيادة الجيش ولقب بالملك الناصر، ثم أنهى حكم الفاطميين وأصبح صاحب السلطة في مصر واستقل بها.

بعد وفاة نور الدين زنكي شهدت الشام اضطرابات دعي صلاح الدين إلى ضبطها، فقام هناك بتهدئة الأوضاع وتوحيد البلدان حولها، وبدأ إصلاحات فيها وكذلك في مصر التي بنى قلعتها الشهيرة ( قلعة الجبل) والعديد من المدارس والمستشفيات والمساجد والطرق، وحافظ على المذهب السني وأعاد نشره من مخالب التشيع الخطير آنذاك، وتتابعت إنجازاته حتى دانت له البلاد، وأصبحت دولته الأيوبية تمتد من النوبة في أقصى جنوب مصر إلى بلاد الأرمن شمالاً، والجزيرة والموصل شرقاً إلى برقة غرباً، وحينها بدأ يكرس جهده لمواجهة حملات الصليبيين وغاراتهم.

تمكن صلاح الدين من توحيد شتات المسلمين بعد تفرقهم في دويلات متناحرة هيأت للصليبيين السيطرة على أراضيهم ومنها بيت المقدس سنين طويلة، وكان رجل سياسة وحرب بعيد النظر، كما عرف بعطائه وإنفاقه في سبيل الله حتى إنه لم يدخر لنفسه مالاً ولا عقاراً، وكان يهتم بإصلاح الشؤون العامة من عمران، ومجالس علم، وحلقات أدب.

كما يسجل لصلاح الدين حماية المسيحيين الشرقيين، وبالأخص أقباط مصر الذين أحبوه ووضعوا صورته في كنائسهم وأديرتهم، فصورة صلاح الدين المنشورة اليوم في جميع أرجاء العالم منقولة من كتاب روسي مأخوذ من دير قديم بمصر. ويدل البيتان الآتيان لحكيم الزمان عبد المنعم الأندلسي، الذي هبط مصر في عهد صلاح الدين، ونظم قصائد في مدحه، على أن المسيحيين في ذلك العهد رسموه ووضعوا رسمه في الكنائس؟ فهو يقول :

فحطوا بأرجاء الكنائس صورة لك اعتقدوها كاعتقاد الأقانم

يدين لها قس ويرقى بوصفهـا ويكتبه يشفي به في التمائــم

وعن هذا الموضوع كتب أحمد زكي باشا المصري مقالة في مجلة” رعمسيس” يقول فيها: ” كان القبط يحبون هذا الملك العظيم صلاح الدين، الذي حماهم ورعاهم، وعرفوا في كل أيامه السعادة والهنا، وأي دليل على هذا أكبر من وضع صورته إلى جانب الأيقونة المقدسة”.

كان صلاح الدين بطلاً كردياً عربياً إسلامياً عالميا، ومن أهم الشخصيات في التاريخ الإسلامي، شهد له بذلك الشرق والغرب معا، ودخل الحروب وخرج منها مرفوع الرأس، مخالفا سير العظماء أمثال الإسكندر المكدوني ونابليون وغيرهما، فالإسكندر انتصر في البداية لكنه اندحر في النهاية ومات قتيلا على يد عبيده، ونابليون دوخ العالم لكنه مات منفياً مسموماً في إحدى الجزر النائية… نعم سيبقى العالم يذكر انتصارات صلاح الدين وإنجازاته السياسية والعمرانية على مر الأيام والسنين، وخير من رثاه بأفصح عبارة يوم وفاته والدته التي خاطبته وهو مسجى في قبره:” سأضع سيفك في كفنك، وسيعرفك الله، فأنت سيفه”(6).

وحكم مصر الملك العادل الكبير سيف الإسلام أبو الفتح محمد أبو بكر بن نجم الدين أيوب بن شادي بن مروان (1145ـ 1218م)، وكان نائب السلطنة بمصر عن أخيه صلاح الدين أثناء غيبته في الشام، وتنقل في الولايات إلى أن استقل بملك الديار المصرية (سنة 596 ) وضم إليها الديار الشامية، وأرمينية وبلاد اليمن حتى أصبح سلطان الدولة الأيوبية سنة 596هـ/1199م. ولما صفا له جو الملك قسم البلاد بين أولاده، وعاش أرغد العيش. ملكا ً عظيماً حنكته التجارب، حسن السيرة محباً للعلماء. توفي بقرية عالقين في حوران سنة 615هـ/1218م، وهو يجهز العساكر لقتال الإفرنج، ودفن في مدرسته المعروفة إلى اليوم بالعادلية وهي المتخذة أخيرا ً دارا ً للمجمع العلمي” بدمشق. وفي أيامه زال أمر الإسماعيلية من ديار مصر، بعد أن قبض على كثير منهم، ولم يجسر أحد بعدها أن يتظاهر بمذهبهم(7).

ومن سلاطين الأيوبيين في مصر الملك الكامل ناصر الدين أبو المعالي محمد ابن الملك العادل محمد أبي بكر ابن أيوب، كان عارفاً بالأدب، له شعر، وسمع الحديث ورواه. ولد بمصر سنة 576هـ/1180م، أعطاه أبوه الديار المصرية، فتولاّها مستقلا بعد وفاته سنة 615هـ ، وحسنت سياسته فيها. واتجه إلى توسيع نظام حكمه، فكانت الخطبة باسمه، ودعي له بلقب ” مالك مكة وعبيدها، واليمن وزبيدها، ومصر وصعيدها، والشام وصناديدها، والجزيرة ووليدها…الخ”، وله موقع مشهور في الجهاد بدمياط ، إذ قاوم الحملة الصليبية الخامسة التي احتلتها، وأعادها سنة 630هـ ، وعقد اتفاقية مع فردريك الثاني الإمبراطور الجرماني. وكان حازماً عفيفا عن الدماء، مهيبا، كان فيه جبروت، ومن آثاره بمصر المدرسة” الكاملية “.

كان ملكا جليلا مهابا، حازما حسن السيرة، يباشر أمور مملكته بنفسه، وأنفق الأموال الكثيرة، وكان يحب أهل العلم ويجالسهم، ويؤثر العدل، وكانت الطرق آمنة في أيامه، مات بدمشق بعد شهرين من فتحها سنة 635هـ/ 1238م(8).

ومن كبار الملوك الأيوبيين الذين حكموا مصر الملك الصالح نجم الدين أبو الفتوح أيوب بن السلطان الملك الكامل: وهو زوج شجرة الدر.

ولد ونشأ بالقاهرة 1206. سلطنه أبوه على آمد وحران وسنجار وحصن كيفا. وملك دمشق، ثم ملك الديار المصرية ودانت له الممالك. وقد ضبط الدولة بحزم، وأعاد وحدة الدولة الأيوبية من جديد سنة 1245م. واستعان بالأتراك الخوارزميين، فاستعاد القدس من الصليبين، وفي أواخر أيامه أغار الإفرنج على دمياط واحتلوها وأصاب البلاد ضيق شديد، وكان الصالح غائباً في دمشق، فقدم ونزل أمام الفرنج وهو مريض بالسلّ فمات بناحية المنصورة 1249م، ونقل إلى القاهرة.

كان نجم الدين أيوب سياسيا بارعاً، وكان يطمح إلى إنشاء دولة كدولة صلاح الدين والكامل تتألف من مصر وفلسطين والشام وبلاد ما بين النهرين، وكانت قصوره في شبه جزيرة الروضة بالنيل وفي الكبش، ومدرسته، ذائعة الصيت في تلك الأيام(9).

وهناك الملك المعظم توران شاه ابن الملك الصالح نجم الدين أيوب ابن الملك الكامل: ثامن سلاطين الدولة الأيوبية بمصر وآخرهم، كانت إقامته في حصن كيفا (بديار بكر) نائباً عن أبيه. ولما توفي أبوه سنة 1249م كتمت ( شجرة الدر) خبر موته، فاستدعته، فسار إلى القاهرة، والحرب ناشبة بين المصريين والفرنسيين على أبواب ( المنصورة) فلبس خلعة السلطان بعد أربعة أشهر من وفاة أبيه، وقاتل الفرنج، وهزمهم واسترد دمياط، ففرح الناس وتيمنوا بوجهه.

ثم تنكر لشجرة الدر، فحرضت عليه المماليك البحرية فقتلوه في” فارسكور” 1250م، وبمقتله انقرضت دولة بني أيوب بمصر ومدتها 86 سنة (10).

  • اتحاد الكتاب والأدباء الأردنيين-عمان-الأردن

الهوامش

(1) فيليب حتي: تاريخ سورية ولبنان وفلسطين، بيروت دار الثقافة، 1951 ص162-163 محمد أمين زكي: خلاصة تاريخ الكرد:ص97.

(2) جوليا سامسون: نفرتيتي، ترجمة مختار السويفي، القاهرة: الدار المصرية اللبنانية للنشر، 1992.

(3)مشاهير الكرد:1/96-97، كتاب تجارب الأمم: 3/228 ، خلاصة تاريخ الكرد:134.

(4)مشاهير الكرد:2/82 .

(5)ابن خلكان 1/227، ابن خلدون 5/282، لبن الأثير 11/128، أعلام النبلاء، 4/258 ومنتخبات التواريخ، وفيه:كان شيركوه من بلد دوين، قصد العراق هو وأخوه أيوب، وخدما بهروز شحنة السلجوقي ببغداد، ثم لحقا بخدمة عماد الدين زنكي، وبقي شيركوه مع نور الدين محمود، بعد موت أبيه زنكي، وأقطعه نور الدين حمص والرحمة، ولما رأى من شجاعته، وزاده عليها أن جعله مقدم عسكره.مفرج الكروب 1/148-168بعض أخباره، الاعلام4/183، مشاهير الكرد:1/266-267، شذرات الذهب:4/211

(6)وفيات الأعيان:2/376، تاريخ الخميس: 2/378، تاريخ ابن خلدون:4/79، و5/250-330، الكامل:12/37، السلوك:1/41-114، طبقات السبكي:4/325، الدارس:2/178-188، مرآة الزمان:8/425، مفرج الكروب: 1/168، ترويح القلوب:87، 88، الأعلام لابن قاضي شهبة، النجوم الزاهرة:6/3-63، شذرات الذهب:4/298، الشرفنامة:1/80-91، دائرة المعارف الإسلامية:14/263-277، الأعلام للزركلي:8/220، مشاهير الكرد:1/1-12، بدائع الزهور:1/69 ، البداية والنهاية:12/13،معجم البلدان:3/151، سنا البرق الشامي:42المواعظ والاعتبار:2/233 ، تاريخ حلب:2/154-162 ، الموسوعة العربية:2/1128، صلاح بدر الدين: موضوعات كردية، 25، تاريخ الدول والإمارات الكردية في التاريخ الإسلامي:المقدمة

(7) الوافي بالوفيات:2/235، ابن خلكان: 2/48 وفيه: ولادته بدمشق سنة 540 وقيل 538، ابن إياس: 1/75، السلوك1:/194 وفيه مولده سنة 538 ، مرآة الزمان: 8/594، الأعلام: 6/47 ، حي الأكراد: 126، معجم الأنساب والأسرات الحاكمة:150، خطط المقريزي:2/236.

(8) الوافي بالوفيات:1/194، الكامل 12/126،135، 186، السلوك 1/194- 260 وفيات الاعيان2/50، الدارس 2/277،مرآة الزمان 8/705، الأعلام 7/28، خطط الشام:2/92، معجم الأنساب والأسر الحاكمة:151.

(9) المنهل الصافي:3/227، الدليل الشافي:1/178،النجوم الزاهرة:6/319، أعيان العصر:1/95، الوافي بالوفيات:10/55، خطط المقريزي 2/236، ابن إياس 1/83، السلوك 1/339، تاريخ الاسحاقي 189، مرآة الزمان 8/775، الأعلام 2/38 ، شذرات الذهب:5/237، دائرة المعرف الإسلامية:14/115-120

(10)الدليل الشافي:1/230، المنهل الصافي:4/183، ابن إياس:1/85، ابن الوردي: 2/181، ابن شاكر 1/97، السلوك1:/361 وفيه ما يخالف رواية غيره، فهو يذكر أن الملك المعظم ساءت سيرته مع المماليك البحرية فقتلوه، ولا يذكر شجرة الدر، ويقول: أن مدة بني أيوب بمصر 81 سنة ، مرآة الزمان: 8/781، مجلة المجمع العلمي: 16/308، الأعلام: 2/90 ، فوات الوفيات:1/263، شذرات الذهب:5/292، طبقات الشافعية:8/134.

الكرد في بلاد مصر

من أعلام الكرد في مصر في العصور الوسطى

هاجر إلى أرض الكنانة عشرات من العائلات والعناصر الكردية خلال العصر العباسي والفاطمي والأيوبي والمملوكي والعثماني، وقطنوا في أغلب المدن المصرية من الإسكندرية شمالاً حتى أسوان جنوبا، وظهر من بينهم القائد والجندي والتاجر والعالم والمزارع، و نبغ منهم أعلام في شتى مناحي الحياة السياسية والعسكرية والأدبية والفقهية والدينية، واستطعنا الاستدلال عليهم من خلال انتسابهم إلى المناطق الكردية التي قدموا منها في كردستان كمدن: الدينور، واسعرد، وخلاط، وميافارقين، ودنيسر، وماردين، وهكاري، وحران، وشهرزور، ودوين، واربل، وآمد … أو من خلال انتسابهم إلى أصلهم الكردي فعرفوا به، مع أننا تجنبنا ذكر الأعلام الكرد الذين نزلوا القاهرة ومصر لتحصيل العلم وممارسة الوظائف المختلفة ومن ثم عودتهم إلى ديارهم بعد انتهاء فترة عملهم هناك، لذا انحصر الحديث هنا على الكرد الذين نزلوا مصر وعاشوا في مدنها واتخذوها دار سكن وإقامة، وأدركتهم الوفاة فيها، مع ملاحظة أن بعض الكرد نسب نفسه إلى المدن المصرية كالقاهري نسبة إلى القاهرة، والدمياطي نسبة إلى دمياط،و الإسنائي نسبة إلى أسنا.

وفي هذا المقال نستعرض أبرز أعلام الكرد الذين نبغوا في ديار مصر خلال العصر العباسي والأيوبي والمملوكي، مستعرضين سيرهم حسب تاريخ سني الوفاة:

1ـ النحوي واللغوي أحمد بن جعفر الدينوري (أبا علي ). وهو أحد النحاة المبرزين المصنفين في نحاة مصر. وأصله من ( دينور ) بلدة في الجبال في بلاد الكرد عند قوميسين = كرمنشاه، خرج منها خلق كثير. قدم البصرة، وأخذ عن المازني، ثم دخل بغداد فقرأ على المبرُد. و قدم مصر، وهناك ألف كتاب ” المهذب في النحو”. و” مختصر في ضمائر القرآن” استخرجه من كتاب المعاني للفراء، و”إصلاح المنطق”. توفي بها سنة 289هـ /901م(11).

2ـ الأمير مجير الدين أو (مجد الدين ) أبو الهيجاء بن عيسى الازكشي الكردي. كان من أعيان الأمراء وشجعانهم. ولد بمصر سنة 567 هـ / 1171م، وقد شارك نيابة الشام مع الأمير علم الدين سنجر الحلبي في دور سلطان مصر الملك الظاهر بيبرس، توفي سنة 661 هـ/1267م(12).

3ـ القاضي أبو القاسم صدر الدين عبد الملك بن درباس الماراني، تولى القضاء بالديار المصرية. وكان رجلا فاضلا ذا مكانة عالية، لبث في الحكم في القاهرة فترة طويلة، إلى أن توفي سنة 605هـ/1208م ، وكان مولده في سنة 516 هـ/1111م(13).

4ـ المحدث الشاعر إبراهيم بن عثمان بن عيسى بن درباس الماراني،الهذباني، الكردي، المصري المولد والمنشأ ( أبو اسحق). ولد بالقاهرة سنة572 هـ/1175، ونشأ بها، وكان قاضيها، ورحل إلى خراسان. وقيل كان من أهم من رحلوا في طلب الحديث، كتب وسمع الكثير، توفي سنة 622هـ/ 1226م.ومن شعره:

حكمتَ يا دهرُ أمري بإفـــــراط وما عدلتَ إلى عدلٍ وإقســـــــــاط

إني وقد طرحت أيدي النوى حـنقاً جسمي بحمص وروحي ثغر دمياط(14)

5ـ الشيخ عثمان بن محمد بن أبي محمد بن أبي علي الكردي الحميدي: قاض، مدرس. تفقه في الموصل ثم رحل إلى أبي سعيد بن أبي عصرون وتفقه عليه. قدم مصر فولي قضاء ( دمياط )، ثم ناب في القاهرة عن قاضي القضاة عبد الملك الماراني، ودرس في المدرسة السيفية والجامع الأقمر، حج وجاور الرسول صلى الله عليه وسلم إلى أن توفي سنة 626 هـ /1228م(15).

6ـ النحوي والفقيه المالكي عثمان بن عمر بن أبي بكر بن يونس الكردي الإسنائي، الدويني الأصل، المالكي المشهور بابن الحاجب الكردي (جمال الدين، أبو عمرو). من كبار علماء العربية والأصول.

ولد في بلدة (أسنا ) بصعيد مصر سنة 570هـ /1174م، وكان والده حاجباً للأمير عز الدين موسك الصلاحي، تعلم بالقاهرة التي نشأ بها، ثم ارتحل إلى دمشق، ودرس بجامعها بزاوية المالكية، وأكب الناس على الاشتغال به، وأخذ الفضلاء عنه، وكان الأغلب عليه علم النحو، ورحل إلى الكرك بالأردن، ثم نزح عن دمشق هو والشيخ عز الدين بن عبد السلام في دولة الملك الصالح إسماعيل، عندما أنكرا عليه، ودخلا مصر وتصدر بالمدرسة الفاضلية بالقاهرة، ولازمه طلابه، وانتقل إلى الإسكندرية، فلم تطل مدته هناك، وتوفي بها سنة 646هـ /1248م.

وقد جمع بين آراء المغاربة والمصريين من الفقهاء المالكيين. وخالف النحاة الأقدمين وتقدم. وكان من أحسن خلق الله ذهناً.

من مؤلفاته : ” الكافية” في النحو، و” الشافية ” في الصرف. و”الإيضاح” في شرح مفصل الزمخشري، و” الأمالي “. وقصيدة ” المقصد الجليل في علم الخليل ” في العروض. و” القصيدة الموشحة بالأسماء المؤنثة” وغيرها. وألف بالفقه المالكي ” مختصرمنتهى السؤل والأمل، في علم الأصول والجدل ” ومختصره. و” جامع الأمهات” في فروع الفقه المالكي(16).

7ـ الأمير الكبير والأديب شمس الدين أبو عبد الله محمد بن إسماعيل ابن أبي سعيد بن علي بن المنصور بن محمد بن الحسين الشيباني الآمدي، ثم المصري الحنبلي، وعرف بابن التيتي.

ولد بمصر سنة 633هـ /1235م، وسمع بها وبدمشق وماردين من جماعة، ونشأ بماردين. وكان والده شرف الدين من العلماء الفضلاء، عمل تاريخا لمدينة آمد ( ديار بكر). وكان وزيرا للملك السعيد الأرتقي صاحب ماردين. وله نظم ونثر، سمع الحديث ورواه، وكان محدثا فاضلا متقنا، وطلب إلى مصر، وترقى إلى أن صار نائب دار العدل. وأصبح مع ابن الملك المظفر بن السعيد نائباً للمملكة ومدبرا لدولته، إلى أن ذهب رسولا إلى الملك المنصور قلاوون صاحب مصر فحبسه ست سنين، فلما ولي ابنه الملك الأشرف أخرجه وانعم عليه، وولاه نيابة دار العدل فباشرها.

كان عالما فاضلا أديبا متقنا ذا معرفة بالحديث والتاريخ والنحو واللغة، وافر العقل، مليح العبارة، حسن الخط والنظم والنثر، جميل الهيبة، له خبرة تامة بسير الملوك المتقدمين ودولهم، ولا تمل مجالسته. وسمع من الشيخ تقي الدين بن تيمية والمزي والذهبي وغيرهم. وتوفي بمصر بعد أن سقط من على ظهر فرسه فكسرت أعضاؤه، وبقي أياما ومات سنة 704هـ/1317م (17) .

8ـ الشيخ المحدث أحمد بن أحمد بن الحسين بن موسى بن موسك بن جكو، الكردي الأصل، شهاب الدين الهكاري، عارف بالرجال، كان شيخ الإقراء في مدرسة المنصورة بالقاهرة، وتولى مشيخة الحديث بالمنصورية.

من تصانيفه ” الكتب الستة “، و” طبقات بني سعد”، و” كتاب في رجال الصحيح”. وكثير من أجزاء الحديث . توفي في القاهرة سنة 740هـ /1350م(18).

9ـ المحدث والفقيه والمؤرخ نجيب الدين أبو الفرج عبد اللطيف بن الإمام الحافظ أبي محمد عبد المنعم بن علي بن الصيقل النميري الحراني الحنبلي، مسند الديار المصرية. التاجر السُّفار، ولد بحران سنة 587هـ /1191م، ولي مشيخة دار الحديث الكاملية، وتوفي بقلعة الجبل بالقاهرة سنة 672هـ /1273م.

من مؤلفاته : ” السباعيات والثمانيات في الحديث ” في عدة أجزاء، و”المعجم” في أسماء الشيوخ الذين أجازوا له، في سبعة أجزاء(19).

10ـ القاضي والفقيه محمد بن علي الحسين الخلاطي. تعلم ببغداد وبدمشق، وانتقل إلى القاهرة، فولى قضاء الشارع بظاهرها، وناب بالحكم بالقاهرة، وتوفي في رمضان سنة 675 هـ ،1276م بالقاهرة .

له كتاب ” قواعد الشرح وضوابط الأصل والفرع ” في شرح الوجيز للغزالي، وله مصنفات أخرى(20).

11ـ الوزير والكاتب إبراهيم بن لقمان بن أحمد بن محمد، فخر الدين الشيباني الإسعردي. ولد في بلدة ( إسعرد) قرب ميافارقين شرقي نهر دجلة سنة 612هـ/1215م، ولي وزارة الملك السعيد محمد بن الظاهر بيبرس(1277-1279م)، ثم وزر مرتين للملك المنصور قلاوون( 1279-1290م).

كان قليل الظلم، وفيه إحسان للرعية، ولما فتح الملك الكامل محمد بن أيوب آمد- ديار بكر- كانت الرسائل ترد إليه بخط ابن لقمان، فأعجب بها كاتبه البهاء زهير واستدعاه، وناب عنه في ديوان الإنشاء، ثم خدم في ديوان الإنشاء في الدولة الصلاحية وهي دولة السلطان الملك الصالح أيوب في مصر(1240-1249م)، ثم في أوائل الدولة الناصرية المملوكية دولة السلطان الناصر محمد بن قلاوون (1293م)، توفي بمصر سنة 693هـ /1293م(21).

12ـ الأمير شمس الدين محمد بن باخل الهكاري، متولي الإسكندرية. كان أميرا فاضلا كريما، له نظم وأدب، توفي سنة 683هـ /1299م بالإسكندرية. ومن شعره:

كم رامها فيما مضى من جاهل ليفوز منها بالذي هو يطمع

ويكون فيها آمنا في سربــــــه لا يختشي ريبا ولا يتوقـــع

قلبت له ظهر المجن فما درى إلا وأسياف المنية تلمـــــــع(22)

13ـ بهاء الدين يعقوب بيك الشهر زوري، نشأ في بلاده نشأة عسكرية، ورحل إلى مصر والتحق بالمظفر( قطز ) سلطان مصر حين اعتزم الزحف على الكرك لمناوئة التتر الزاحفين على مصر. وقد خدم الحكومة المصرية مدة طويلة حتى توفي سنة707 هـ/ 1307م(23).

14ـ قاضي القضاة شرف الدين عبد الغني بن يحيى بن محمد بن أبي بكر بن عبد الله بن نصر بن أبي بكر بن محمد، شرف الدين أبو محمد بن بدر الدين أبي زكريا بن قاضي القضاة شمس الدين الحراني الحنبلي. خرج من حران سنة 656هـ فأقام بدمشق سنين، وأجاز له الشيخ عبد السلام بن تيمية، وأخوه عبد القادر، وحدث مراراً بالقاهرة ودمشق، وسمع منه أبو حيان وذكره في معجمه.

توجه إلى مصر واستمر بها، وولي نظر الخزانة، ثم ولي منصب الحكم بالديار المصرية على مذهب الإمام أحمد بن حنبل، ودرس بالناصرية والصالحية، وكان مشكور السيرة، بشوش الوجه، توفي بالقاهرة ودفن بالقرافة سنة 709هـ/1309م (24).

15ـ عبد العزيز بن أحمد بن عثمان بن عيسى بن عمر بن الخضر الكردي ، الهكاري، الشافعي، وكنيته الشيخ (عماد الدين أبو العز)، ويعرف بابن خطيب الأشموني (666-1327م).

من القضاة. سمع بمكة وبدمشق، ولي قضاء الأعمال القوصية، ودرّس بالمقرية بمصر، وأفتى، وتوفي بالقاهرة سنة (727 هـ).

كان عالما فاضلا له مؤلفات كثيرة حسنة، وأدب وشعر، من تصانيفه:”الكلام على حديث المجامع”، في مجلدين( 25).

16ـ المؤرخ محمد بن محمد بن محمد بن حسن الجذامي،الفارقي الأصل، المصري (أبو الفضائل، ابن نباته، أصله من مدينة ميافارقين (بجوار ديار بكر)، ولد بالقاهرة 686هـ /1287م، وسكن الشام، وتوفي بالقاهرة 768هـ /1366م.

من تصانيفه: ” سلوك دول الملوك “(26).

17ـ الصوفي جمال الدين أبو المحاسن يوسف بن عبد الله بن عمر الكردي، الكوراني الأصل ويعرف بالعجمي. مصري الدار والوفاة سنة 768هـ /1367م. كانت له زاوية مشهورة في قرافة مصر، وعدة زوايا في بلدان مختلفة.

له مصنفات مثل ” شرائط التوبة ولبس الخرقة”، وسماه” ريحانة القلوب في التواصل إلى المحبوب ـ خ” ، و” حزب ـ خ”، و” بديع الانتفاث بشرح القوافل الثلاث ـ خ” في جامعة الرياض ( 27).

18ـ المحدث والمسند ناصر الدين أبو عبد الله محمد بن علي بن يوسف الدمياطي الحراوي الطبردار، الكردي الأصل. ولد بثغر دمياط سنة 697هـ/ 1297م، وتوفي سنة 781هـ /1379م (28).

19ـ الشاعر الأديب أحمد بن محمد بن العطار الدنيسري، أصله من مدينة (دنيسر) قرب ماردين بالجزيرة الفراتية. اشتهر وتوفي في القاهرة سنة 794هـ / 1392م.

له نظم كثير وكان يمدح الأكابر. وله كتب، منها ” نزهه الناظر في المثل السائر “، و” المستأنس في هجو بني مكانس “، و” ثقل العيار” خمريات” و”منشأ الخلاعة ” مجون، و” مرقص المطرب “، و” حسن الاقتراح في وصف الملاح ” ذكر فيه ألف مليح وصفاتهم ، و” بديع المعاني في أنواع التهاني”، و”لطائف الظرفاء “، و” عنوان السعادة” في المدائح النبوية ، و” المسلك الناجز” موشحات نبوية، و ديوان ” قطع المناظر بالبرهان الحاضر” (29).

20ـ العالم بصناعة الكيمياء الشريف إبراهيم بن عبد الله برهان الدين الاخلاطي، وكان أول أمره قدم حلب قادما من بلاد العجم التي نشأ بها، فنزل بجامعها منقطعا عن الناس، فكان يعرف الطب معرفة جيده، فأحضر إلى القاهرة ليداوي ولد السلطان الملك الظاهر برقوق من مرض حصل له في رجليه، فلم ينجح، فاستمر مقيما بمنزل على شاطئ النيل إلى أن توفي سنة 799هـ /1396م، وخلف مالا كثيرا من ذهب ودنانير وكتباً(30).

21ـ المحدث والمؤرخ أحمد بن أحمد بن درباس، المازني، الكردي، القاهري، الحنبلي( فخر الدين، أبو إسحاق) (توفي 1414م) جمع كتابا في ” آل بنيه بني درباس”، وآخر في ” آل ابن العجمي”. وله ” قراءة الكمال”، ” وتعليق التعليق” ، واختصر” التبصرة في الوعظ ” لابن الجوزي بالزيادات(31) .

22ـ المحدث الواعظ يوسف بن عبد الله المارديني الحنفي. أصله من ماردين. قدم القاهرة وحدث ووعظ الناس بالجامع الأزهر، كان لين الجانب، والتواضع، والاستحضار لكثير من التفسير والمواعظ. توفي بالطاعون، بعد سنة 819هـ/ 1415م(32) .

23ـ أحمد بن عبد الرحيم بن الحسين بن عبد الرحمن بن إبراهيم بن أبي بكر الكردي الرازياني، ثم القاهري، المهراني، أبو زرعة ولي الدين العراقي : محدث، أصولي، فقيه، من أئمة الشافعية، قاضي القضاة بالديار المصرية. مولده ووفاته في القاهرة(1361-1423م). وهو من بيت أسرة عريقة في العلم. رحل به أبوه ( الحافظ العراقي ) إلى دمشق، واتجه إلى بيت المقدس، وعاد إلى القاهرة وأخذ عن شيوخها، ورحل إلى مكة المكرمة والمدينة المنورة، وسمع بهما، ثم رجع إلى القاهرة، وجدّ في الطلب والاشتغال. ودرس فظهرت براعته، وبهر به الطلبة، وتخرج على يديه جماعة من العلماء والأئمة.

في سنة 790هـ ناب في القضاء نحو عشرين سنة، وفرغ نفسه للإفتاء والتدريس والتصنيف، ثم تولى قضاء القضاة بالديار المصرية 824هـ ، بعد وفاة جلال الدين البلقيني، فسار في القضاء بعفة، ونزاهة، وصرامة، حتى تعصب عليه بعض أهل الدولة لعدالته، فعزل نفسه مختاراً في سلطنة الملك الظاهر قطز، ثم أعاده إلى القضاء، وبايع ولده الصالح محمد بالسلطنة قبل انفصال السنة، ثم بايع بعده الأشرف برسباي سنة 825هـ واستمر في القضاء، حتى صرف منه سنة 825هـ لإقامته العدل، وعدم محاباته لأحد فيه، وتصميمه في أمور لا يحتملها أهل الدولة، حتى شق على كثيرين، فصرف عن القضاء بعد أن مكث فيه ثلاثة عشر شهرا، وتكدرت معيشته بعد عزله، فلزم العبادة والعلم والتصنيف والإفادة إلى أن توفي مبطوناً شهيدا سنة 826هـ /1423م، وصلي عليه بالجامع الأزهر، ودفن ظاهر القاهرة .

من كتبه ” التحرير لما في منهاج الأصول من المنقول والمعقول”، و”شرح النجم الوهاج في نظم المنهاج”، وهو شرح على نظم والده نظم فيه “منهاج الوصول” ، ” البيان والتوضيح لمن أخرج له في الصحيح ” ، و”فضل الخيل” و” الإطراف بأوهام الأطراف” للمزي ، و” رواة المراسيل”، و” حاشية على الكشاف”، و” أخبار المدلسين “و” شرح سنن أبي داود، و” تذكرة ” في عدة مجلدات ، و” ذيل ” في الوفيات من سنة مولده إلى سنة 793 هـ ، و” مبهمات الأسانيد ـ خ” في الأزهرية ، و” تحرير الفتاوى ـ خ” ، و” الغيث الهامع في شرح جمع الجوامع” للسبكي، في أصول الفقه، وهو من المؤلفات التي ينتفع بها، و” المعين على فهم أرجوزة ابن الياسمين في الجبر والمقابلة” وغير ذلك. وله نظم ونثر كثير(33).

24ـ القاضي الفقيه الطبيب محمد بن محمد بن عبد الله بن عبد الحليم بن عبد السلام ناصر الدين بن الشمس بن الجمال الدمشقي، ويعرف بابن تيمية (1350-1433م. كان يتعانى في التجارة ، ولي قضاء الإسكندرية مدة، وكان عارفاً بالطب.

وكان ينوب عن قضاء الإسكندرية عن قضائها في الأيام المؤيدية وغيرها، وله مرتب خاص انتقل بعده لولده، توفي بالقاهرة وقد جاوز السبعين من عمره(34).

25ـ الأديب والمؤرخ محمد بن ناهض الكردي الأصل، الجهني الحلبي ،ولد بحلب 757هـ / 1356م، ولع بالأدب. سكن القاهرة، ونزل الجمالية ومدح أعيانها، وعمل ” سيرة المؤيد شيخ “. قال السخاوي: أجاد ما شاء، وقرضها له خلق سنة 819 هـ ،وسافر إلى دمشق وسكنها، ورقت حاله، فاستجدى الناس بالمدح، وله نظم حسن. توفي بالقاهرة 831هـ/ 1438م. ولعل من تأليفه أيضاً ” بستان الناظر وأنس الخاطر”.

ومن شعره قوله:

كم دولة بفنون الظلم قد فنــــــيت وراح آثارهم من عكسهم ومحوا

وجاء من بعدهم من يفرحون بها وقال سبحانه ( حتى إذا فرحوا)(35)

26ـ الفقيه الشاعر أبو بكر بن علي بن عبد الله بن احمد بن محمد بن إبراهيم بن أبي بكر البرمكي، الاربلي، المارديني الأصل.

المولود بالقاهرة سنة 770هـ/1369م ، والمتوفى بها 855هـ /1451م، من آثاره” مصنف في صناعة الشهود”، و” منسك”، و” قصيدة في الكعبة”(36).

27ـ الصوفي عمر بن إبراهيم بن أبي بكر، البانياسي الكردي ثم القاهري الشافعي، ويعرف بعمر الكردي. نشا ببلاده. وقدم القاهرة بعد 840هـ. وتنزل في صوفية سعيد السعداء . وبعد مدة تحول لجامع قيدان على الخليج الناصري ظاهر القاهرة، وعمرت تلك الناحية لكثرة من يقصده من الخاصة والعامة للزيارة والتبرك بدعائه. وقد اجتمع به السخاوي وأثنى عليه. توفى سنة (868 هـ /1461م)، وكانت جنازته حاشدة(37).

28ـ المدرس والمحدث عمر بن خليل بن حسن بن يوسف الركن الكردي الأصل، ثم القاهري الشافعي (1396-1482م). كان يقال له ابن المشطوب لشطب كان بوجه والده. ولد بالقاهرة ونشأ فيها، وتعلم عن مشايخها، وسار إلى الشام وسمع من علمائها، ولي نظر جامع أصلم والتحدث على أوقاف طرنطاي الحساب، حدث، واشتغل بالتدريس، واستفاد من علمه خلق كثير مثل السخاوي، وقد بر وحسن ولزم بيته مديماً للتلاوة حتى توفي، ودفن بجامع سوق الغنم(38).

29ـ الأمير حسين الكردي القائد العسكري أيام السلطان قانصوه الغوري المملوكي. في آخر أيام هذا السلطان ظهرت الفرنج البرتغال وعاثوا في أرض الهند، ووصل أذاهم إلى جزيرة العرب وبنادر اليمن وجدة، فلما بلغ السلطان قانصوه الغوري ذلك جهز إليهم جيشا عظيماً بقيادة الأمير حسين الكردي، وجعل له مدينة جدة إقطاعا، وأمره بتحصينها، وعندما وصلها شرع في بناء سورها، وأحكم أبراجها في أقل من عام. ثم توجه بعساكره إلى الهند في حدود سنة 921هـ فاجتمع بسلطان كجرات خليل شاه فأكرمه وعظمه، وهرب الإفرنج عن البنادر لما سمعوا بوصوله، ثم عاد إلى اليمن وفتحها من ملوكها بني طاهر وقتلهم، وترك بها نائباً في زبيد اسمه برسباي الشركسي، وتم الأمر الذي لابد منه، وبعد ذلك عاد حسن الكردي إلى مدينة جده، وقدم مكة قبيل زوال دولة المملوكية. وورد أمر السلطان العثماني سليم الأول بقتله، فأخذه شريف مكة بغتة وقيده وشمت به، وأماته غرقاً في البحر الأحمر أمام جدة سنة 922هـ/ 1515م(39).

الهوامش:

(11) أنباه الرواة: 1/68-69، بغية الوعاة: 1/301، الوافي بالوفيات: 6/ 285، معجم الأدباء: 1/435-436، الأعلام: 1/107، كشف الظنون:1078، 1914 المعجم المفصل في اللغويين العرب: 1/34. الدينور: من مدن الجبال في إقليم ماوي، دخلها العرب سنة 22هـ /642م بعد معركة نهاوند.

(12) مشاهير الكرد:1/64

(13) مشاهير الكرد:2/52

(14) تاريخ إربل:1/215، شذرات الذهب:5/7 وفيه سيرة والده عثمان بن درباس الكردي المتوفى سنة 602هـ/1206م

(15) مشاهير الكرد:2/59

(16) المنهل الصافي:7/421-424، الدليل الشافي: 1/440، النجوم الزاهرة: 6/36، البداية والنهاية:13/176، طبقات القراء:1/508، شذرات الذهب:5/234، بغية الوعاة:2/134، الموسوعة العربية 1/ 13، مشاهير الكرد:2/68 ، معجم المؤلفين:6/265، سير أعلام النبلاء:13/287، معجم المؤلفين:6/265.

(17) الوافي بالوفيات :1/227، شذرات الذهب:6/11.

(18) النجوم الزاهرة:1/248، الدرر الكامنة:1/198، غاية النهاية:1/27، السلوك:2/811، أعيان العصر:1/168، معجم المؤلفين:1/145،حسن المحاضرة:1/203.

(19) كشف الظنون:523، 975، الأعلام:4/182، 183، هدية العارفين:1/616، شذرات الذهب:5/336، الدليل الشافي: 1/428.

(20) هدية العارفين:6/132، مشاهير الكرد:2/137.

(21) المنهل الصافي:1/138، الدليل الشافي:1/24السلوك:1/3:804، فوات الوفيات: 1/43، حسن المحاضرة:2/233.

(22) الوافي بالوفيات:2/242، الدليل الشافي:2/602.

(23) مشاهير الكرد:2/223.

(24) المنهل الصافي:7/318، الدليل الشافي: 1/421، النجوم الزاهرة: 8/278 وفيه مولده سنة 645هـ، السلوك:2/84، البداية والنهاية: 14/57، تالي كتاب وفيات الأعيان:124، تذكرة التنبيه:2/27.

(25) طبقات الشافعية للسبكي:6/125، البداية والنهاية:14/131، الدرر الكامنة:2/368/ 369، حسن المحاضرة:1/240،شذرات الذهب:6/77، معجم المؤلفين:5/242.

(26) معجم المؤلفين:11/274، معجم مصنفي الكتب العربية،577.

(27) الدرر الكامنة 4/463، الكتبخانة 2/131، 7/227،هدية العارفين 2/557، 558،الأعلام: 8/240، إيضاح المكنون:1/171، 605، كشف الظنون:260، 940، حسن المحاضرة:1/251، معجم المؤلفين:13/314 .

(28) الدليل الشافي:2/658، الدرر الكامنة:4/206، وفيه ولد بدمياط سنة 687هـ، النجوم الزاهرة:11/200، شذرات الذهب:6/272.

(29) السلوك: 3/2، الدليل الشافي”1/80الأعلام 1/225، الدرر الكامنة:1/287، شذرات الذهب: 6/333.

(30) المنهل الصافي:5/171، الدليل الشافي:1/276، بدائع الزهور: 1/ 488، وفيه برهان الدين الأخلاطي، وكان ينسب إلى صناعة الكيمياء، شذرات الذهب: 6/356، السلوك:3/885.

(31) الضوء اللامع:1/216،217 وفيه بن عبد الرحيم ، معجم المؤلفين:1/151، معجم مصنفي الكتب العربية، 23.

(32) الضوء اللامع:10/309، شذرات الذهب:7/144.

(33) البدر الطالع:1/51-53، الذيل على العبر:1/7-32، كشف الظنون:1/595، 2/1880،شذرات الذهب:7/173، المنهل الصافي:1/312-315، حسن المحاضرة:1/201،فهرس الفهارس: 2/435، معجم المؤلفين:1/271الأعلام:1/148، الضوء اللامع: 1/336-344، المكتبة الأزهرية: 2/46، لحظ الالحاظ: 284.

(34) الضوء اللامع:9/124-125.

(35) الضوء اللامع:10/67، وفيه وفاته سنة 841هـ/1437م، كشف الظنون:244، الدرر الكامنة:4/272،هدية العارفين:2/147، الأعلام:7/ 122 ، مشاهير الكرد:2/163.

(36) الضوء اللامع:11/52، 53، معجم المؤلفين:3/67.

(37) مشاهير الكرد:2/92.

(38) الضوء اللامع: 6/84-85، مشاهير الكرد:2/93.

(39) شذرات الذهب:8/175-176 ، مشاهير الكرد:1/183 وفيه حسين الكردي.

الدور الكردي يتجدد مرة أخرى خلال القرن التاسع عشر

أولاً: الهجرة الكردية إلى مصر

كانت مصر- إضافة إلى بلاد الشام- المهجر المحبَّب إلى الكرد منذ عهد الدولة الأيوبية (1171 – 1250 م)، إذ هاجر إليها خلال تلك الفترة آلاف الأسر الكردية،
وانتشروا فيها من أقصى الجنوب إلى أقصى الشمال، وكانوا بين حاجب، وجندي، وموظف، وعالم، وتاجر، وإقطاعي، وبرز منهم نوابغ أدّوا دوراً بارزاً في تاريخ مصر
السياسي والثقافي والفني(40).

وبقي الكرد يتوافدون على مصر طوال العصور اللاحقة أيام المماليك والعثمانيين على هيئة جند وقادة عسكريين وحكام إداريين، وشهد القرن التاسع عشر أيام العهد العثماني نزوح عناصر مختلفة من الترك والأكراد والأرمن إلى مصر من بلاد الأناضول الجبلية، من مدن أرضروم وسيواس وأورفا ومرعش وعينتاب وقيصرية وملطية، وكانوا حريصين على الانتساب إلى المناطق التي نزحوا منها، فنجد أسماء الأورفلي والمرعشلي والوانلي والمورلي…ولا زالت هذه الأسماء مقرونة إلى اليوم ببعض العائلات المصرية، وإن فترة حكم محمد علي باشا شهدت زيادة ملحوظة في عدد المهاجرين الترك إلى مصر، وخصوصاً من منطقة ( قوله) موطن رأس محمد علي، وكانوا أكثر أتباعه إخلاصاً له، وأكثرهم زهواً وصلفاً.

كما وجدت في مصر عناصر كردية تمتعت بمكانة متميزة، هاجرت إلى مصر من مدن كردستان مثل أورفا ووان وديار بكر وماردين وأرضروم، وقامت بدور بارز خلال وجودهم فيها، فكان لهم دور كبير في الحياة الاجتماعية والسياسية والعسكرية، وتلقبوا بالكردي نسبة إلى مناطق نزوحهم الأصلية، وتولى بعضهم مناصب عليا في الإدارة والجيش، وإن محمد علي باشا كان يرحب بهم في مصر، واعتمد عليهم في تثبيت أركان دولته، كما خصص الأزهر الشريف رواقاً للأكراد تخرج فيه العديد من العلماء الكرد، الذين رجعوا إلى كردستان حاملين معهم العلوم الأزهرية، وساهموا في نشر الإسلام واللغة العربية..

وقد ظلت الأقليات العرقية في مصر من الأتراك والأرمن والشركس والأكراد يتمتعون بامتيازات كبيرة في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية ردحا طويلا من الزمن، وخصوصا أيام حكم محمد علي باشا وأحفاده من بعده (1800-1952م)، وكانت هذه الأقليات العرقية تشعر بأنها بدون جذور محلية من الناحية الاجتماعية، وانعكس ذلك على سلوكها الاجتماعي، فأصاب أفرادها الشعور بالاستعلاء والتكبر، فتمتعت بمكانة اجتماعية متميزة، وكان ينتابهم القلق خشية الذوبان في الأغلبية، لذا بقوا متسلطين على الأغلبية المصرية حتى زحف الأوروبيون من الفرنسيين والإنجليز إلى مصر وزاحموهم على مواقعهم البارزة، وفي نهاية المطاف انتزعوا منهم أغلب امتيازاتهم السياسية والاقتصادية والإقطاعية، ثم ظهرت بعد ذلك عناصر محلية مصرية تعلمت وتثقفت وتمكنت من السيطرة على قيادة مصر بعد ثورة يوليو عام 1952م، وانتهجت هذه القيادة نهج الإصلاح السياسي والاجتماعي والاقتصادي، فقضت على الإقطاع والملكيات الواسعة، وانتزعت الوظائف العليا من هذه الأقليات التي كان أحفاد محمد علي يعتمدون عليهم في إرساء حكمهم وتثبيت سيطرتهم، وفي نهاية المطاف ذابت هذه الأقليات العرقية في الأغلبية المصرية، ولم يبق لها من جذورها سوى الاسم العائلي، وبعض من الملامح الجسمانية التي تشير إلى أصولهم الأولى(41).

الوجود الكردي في مصر اليوم

يعيش العديد من الكرد اليوم في مصر، وهم منتشرون في أماكن مختلفة تمتد من الإسكندرية شمالا إلى أسوان جنوباً، وقد انصهر القسم الأكبر منهم في البوتقة المصرية، ولا يزال الكرد القاطنون في المدن المصرية معروفين بأصولهم الكردية، ومنهم من يشغل مواقع بارزة، ومنهم الحكام والمحامون والصحفيون والمدراء والفنانون.

وهناك عائلات كردية استقرت في صعيد مصر تمارس حياة عادية لا تتميز عن بقية الشعب المصري، وهناك جمعية في حي شبرى بالقاهرة باسم ” الجمعية الكردية” أسسها أكراد الصعيد(42)،كما يوجد العديد من الطلبة الكرد في كافة بلاد كردستان ممن تلقوا تعليمهم الجامعي في جامعات مصر وخاصة جامعة الأزهر الشريف.

ومن العائلات الكردية المعروفة في مصر عائلة ” تيمور باشا”، التي ينتسب إليها الكاتب أحمد تيمور باشا، والشاعرة عائشة التيمورية، والأديب محمود تيمور. وعائلة بدرخان، والأورفلي، ظاظا، الكردي، وانلي، عوني، الكردي، خورشيد، آغا….

فعلى سبيل الذكر سكنت عائلة من آل بدرخان مدينة الفيوم وعرفوا باسم (والي)، لأنهم كانوا ولاة على هذه المدينة، لذلك أصبح لقب الوالي تسمية لهم ويعرفون بها، وعرفنا منهم سيد بك والي( بدرخان) الذي أرسل برقية تعزية من الفيوم يوم وفاة جلادت بدرخان بدمشق، وسكن بعض من آل بدرخان في القاهرة، وهؤلاء البدرخانيون من أحفاد أمير بوتان الكردي بدرخان باشا.

وهناك العديد من أعلام مصر يعودون إلى أصول كردية أمثال أمير الشعراء أحمد شوقي، والأديب محمود تيمور، والإمام المصلح محمد عبده، والمخرج أحمد بدرخان، وعلي بدرخان، ومحرر المرأة قاسم أمين، والأديب عباس محمود العقاد، وعامر العقاد، وأحمد أمين، الدكتور حسن ظاظا، والشيخ عبد الباسط محمد عبد الصمد، وأحمد رمزي،ودرية عوني…

كما أن كثيراً من القرى المصرية تحمل لفظ الأكراد، مثل ” كفر الأكراد”، و” منية الكردي”، و” قرية الكردي” مركز دكرنس بمحافظة الدقهلية بالوجه البحري. وتقول درية عوني: وهل يعلم سكان الزمالك، أن كلمة” الزمالك” هي كلمة كردية تعني مصيف الملوك، ويقال إنها كانت المكان الذي يصطاف به الملوك الأيوبيون أيام حكمهم لمصر، حيث كانت هذه المنطقة تعج بالحدائق الغنّاء في ذلك الحين.

سليمان الحلبي الكردي يقتل كليبر في القاهرة 1800م

في شهر حزيران من عام 1800 قام البطل الكردي سليمان الحلبي بقتل كليبر قائد الجيش الفرنسي والحاكم العام بمصر بعد عودة نابليون إلى فرنسا.

ولد هذا البطل الكردي المدعو سليمان محمد أمين أوس قوبار من عائلة عثمان قوبار والمشهور بلقب سليمان الحلبي عام1777 في قرية كـُوكـَانْ فوقاني “الجَزْرُونِيَّة ” ( التابعة لمنطقة عفرين في الشمال الغربي من مدينة حلب ) .

نشأ بحلب، ثم أرسله والده عام 1797م إلى القاهرة ليتلقى تعليمه بالأزهر الشريف. وهناك توطّدت صلته بأستاذه الشيخ أحمد الشرقاوي .. الذي رفض الاستسلام للغزوة الفرنسية .. مساهماً في إشعال فتيل ثورة القاهرة الأولى يوم 21 أكتوبر 1798. وكان سليمان الحلبي بجانب أستاذه الشيخ الشرقاوي عند اقتحام جيش نابليون أرض الجيزة، ثم أرض ( المحروسة ـ القاهرة ).

وراح الغزاة الفرنسيون يذيقون الشعب المصري الويلات .. لذلك أججوا (ثورة القاهرة الأولى) ضد الغزاة انطلاقاً من منطقة الجامع الأزهر . ورَدَّ عليهم الغزاة بقذائف مدافعهم التي نالت من قدسية ( المسجد الأكبر ) ، ودنسته خيول الغزاة باحتلاله .. وحكموا على ستةٍ من شيوخ الأزهر بالإعدام ” منهم الشيخ الشرقاوي أستاذ سليمان الحلبي ” ، واقتيدوا إلى القلعة، حيث ضربت أعناقهم .. ثم انتشلت أجسادهم إلى أماكن مجهولة .

وبعد تمكن الغزاة من إخماد ثورة القاهرة الأولى، تضاعفت مظالمهم، ولوحق كل مشبوه باسم الجهاد أو المقاومة الشعبية الوطنية المصرية. فاختفى من اختفى، وهرب من مصر من هرب. وكان سليمان الحلبي .. ممن غادروا أرض مصر إلى بلاد الشام بعد غياب ثلاث سنوات، وتوجه إلى مسقط رأسه ( قرية كوكان /عفرين )، فيلتقي بأحد القادة العثمانيين في حلب ( أحمد آغا / وهو من انكشارية إبراهيم بك )، فيأمره بالتوجه إلى مصر لأداء واجبه الإسـلامي الجهادي.. وكلفـه بمهمة اغتيال خليفة بونابرت الجنرال كليبر ..

تابع سليمان الحلبي مسيره حتى وصل إلى القدس، وصلى في المسجد الأقصى في مارس (آذار) عام 1800، ثم توجه إلى الخليل حيث إبراهيم بك ورجاله في جبال نابلس. وبعد عشرين يوماً من إقامته في الخليل، سار في أبريل (نيسان) 1800 إلى غزة في استضافة: ياسين آغا ” أحد أنصار إبراهيم بك ” في الجامع الكبير، وسلمه سليمان رسالة من أحمد آغا المقيم في حلب.. تتعلق بخطة تكليفه بقتل الجنرال كليبر.. نظراً لكون سليمان عنصراً من عناصر المقاومة.. التي تناضل في سبيل تحرير مصر من الغزاة.

وفي غزة.. سَلَّمَ ياسين آغا 40 قرشا إلى سليمان الحلبي.. لتغطية نفقات سفره برفقة قافلة الجمال التي تحمل الصابون والتبغ إلى مصر، وليشتري سـكيناً من محلةٍ في بلدة غزة ( وهي السكين التي قتل بها سليمان، الجنرال كليبر ).

استغرقت رحلة القافلة من غزة إلى القاهرة ستة أيام، وانضم سليمان ثانية إلى مجموعة طلاب الأزهر الشوام المقيمين في ( رواق الشوام )، وكان منهم أربعة مقرئي القرآن من فتيان فلسطين أبناء غزة، هم: محمد و عبد الله و سعيد عبد القادر الغزي، وأحمد الوالي. وأعلمهم عزمه على قتل الجنرال كليبر، وأنه نذر حياته للجهاد في سبيل تحرير مصر من الغزاة.. وربما لم يأخذوا كلامه على محمل الجد.

وفي صباح يوم 15 يونيو 1800.. توجه سليمان الحلبي إلى ( بركة الأزبكية)؛ حيث يقيم الجنرال كليبر، وبعدما فرغ كليبر من تناول الغداء في قصر مجاور لسكنه ومعه كبير المهندسين الفرنسيين قسطنطين بروتاين.. وكان سليمان قد دخل حديقة القصر، وتمكن من طعن الجنرال كليبر بسكينه أربع طعنات قاتلة. وتمكن كذلك من طعن كبير المهندسين ست طعنات في أماكن مختلفة من جسمه..

شاء القدر أن يقبض عليه، وأجريت له محاكمة عسكرية فرنسية قضت بإعدامه صلبا على الخازوق، بعد أن تحرق يده اليمنى، ثم يترك طعمة للعقبان، ونفذ فيه ذلك، في تل العقارب، يوم 18 حزيران 1800م . وبقي جثمانه على الخازوق عدة أيام .. تنهشه الطيور الجوارح، والوحوش الضواري، وعلقت إلى جانبه رؤوس ثلاثة من علماء الأزهر- أصلهم من غزة – كان قد أفضى إليهم بعزمه على القتل، ولم يفشوا سره، وتم حرق أجسادهم حتى التفحم.

وكان ذلك بعد دفن الجنرال كليبر في موضع قريب من ( قصر العيني ) بالقاهرة.. باحتفال رسمي ضخم.. ثم وضع جثمانه في تابوتٍ من الرصاص ملفوفٍ بالعلم الفرنسي، وفوق العلم سكين سليمان الحلبي المشتراة من غزة. وقد حمل إلى باريس، عظام الجنرال كليبر في صندوق، وعظام سليمان الحلبي في صندوق آخر.

وعند إنشاء متحف ( انفاليد ـ الشهداء ) بالقرب من ( متحف اللوفر ) في باريس، خصص في إحدى قاعات المتحف اثنان من الرفوف: رف أعلى.. وضعت عليه جمجمة الجنرال كليبر، ورف أدنى تحته.. وضعت عليه جمجمة سليمان الحلبي، وإلى جانبها لوحة صغيرة مكتوب عليها: جمجمة المجرم سليمان الحلبي. والجمجمتان لا تزالان معروضتين في ذلك المتحف إلى اليوم. ولا زال الخنجر الذي طعن به كليبر محفوظاً في مدينة كاركاسون بفرنسا.

وهكذا قدم الحلبي حياته رخيصة من أجل الأخوة العربية – الكردية، وكان بطلاً حقيقياً، وفتى من شهداء الإسلام والحرية والوطنية (43).

الهوامش:

(40) أحمد الخليل: مشاهير الكرد في التاريخ الإسلامي، أحمد أمين، موقع سما كرد.

(41) حلمي أحمد شلبي:الأقليات العرقية في مصر في القرن التاسع عشر، القاهرة: مكتبة النهضة المصرية، 1993.ص11، 12،13، 14، 18

(42) صلاح بدر الدين: موضوعات كردية،109.

(43) المعجم الجغرافي السوري المجلد الثاني صفحة 668 . 2 – أهالي قرية كوكان ( أحفاد عمومة الشهيد سليمان محمد أمين أوس قوبار ( الحلبي ). الجبرتي:3/116-134، تاريخ الحركة القومية للرافعي:2/193، محمد مسعود وعزيز خانكي، في الأهرام 4و 5 يولية 1939، والكافي لشاروبيم: 3/263، الأعلام: 3/133، ربحان رمضان في الحوار المتمدن( الإنترنت)، ع(1091)، 27/ 1/2005

محمد علي باشا الكبير يؤسس مصر الحديثة

إن أغلب المصادر التي تناولت سيرة محمد علي باشا الكبير تذكر بأنه من جذور تركية أو ألبانية؟ لكن الحقيقة التاريخية الصائبة تؤكد كردية هذا القائد الكبير، من خلال ما اعترف به أحفاده فيما بعد، ففي عام 1949 صرح حفيده الأمير محمد علي – ولي عهد الملك الفاروق ملك مصر آنذاك- لمجلة ” المصور” المصرية في مقابلة أجراها معه أديب مصر الكبير عباس محمود العقاد بقوله: إن جدهم محمد علي باشا كردي الأصل تعود جذوره إلى مدينة ديار بكر عاصمة كردستان تركيا، وأكد ذلك أيضاً الأمير حليم أحد أحفاد محمد علي باشا، وقد نشرت هذه الاعترافات تحت عنوان” ولي العهد حدثني عن ولي النعم…” نشر في مجلة ( المصور) المصرية عام 1949 وذلك بمناسبة مرور مائة عام على وفاة مؤسس مصر الحديثة محمد علي باشا، وقد جاء في متن المقال ما نصه:

” … وقال سموه في أمانة العالم المحقق: لا أعلم ولا أبيح لنفسي الظن فيما لا أعلم، ولكني أحدثكم بشيء قد يستغربه الكثيرون عن نشأة الأسرة العلوية ( المنسوبة لمحمد علي)، فإن الشائع أنها نشأت على مقربة من قولة في بلاد الأرناؤوط (ألبانيا)، ولكن الذي اطلعت عليه في كتاب ألفه قاضي مصر على عهد محمد علي أن أصل الأسرة من ديار بكر في بلاد الأكراد، ومنه انتقل والد محمد علي وإخوانه إلى (قولة)، ثم انتقل أحد عمّيه إلى الآستانة، ورحل عمه الثاني في طلب التجارة، وبقي والد محمد علي في قوله. وقد عزز هذه الرواية ما سمعناه منقولاً عن الأمير حليم (أحد أحفاد محمد علي) أنه كان يرجع بنشأة الأسرة إلى ديار بكر في بلاد الأكراد” (44).

ويعلق العقاد على هذا الكلام بقوله: “حسب بلاد الأكراد شرفاُ أنها أخرجت للعالم الإسلامي بطلين خالدين: صلاح الدين ومحمد علي الكبير، وقد تلاقيا في النشأة الأولى، وفي النهضة بمصر، وفي نسب القلعة اليوسفية إليهما ( قلعة القاهرة)، فهي بالبناء تنتسب إلى صلاح الدين، وبالتجديد والتدعيم تنسب إلى محمد علي الكبير”. وفيما يلي لمحة موجزة عن حياة محمد علي باشا باني مصر الحديثة:

هو محمد علي باشا ابن إبراهيم آغا (1769-1849م): والي مصر، وباعث نهضتها المعاصرة، ومؤسس الأسرة الخديوية بها، ولد في قوله من أعمال الرومللي ( اليونان) سنة 1769م، توفي والده وهو فتى، فكفله عمه طوسون آغا، ثم قتل، فكفله رجل من أصدقاء والده، فرُبِّيَ أميّاً لا مرشد له إلا ذكاؤه الفطري وعلوّ همّته، وكان يجاهر بذلك ويفاخر به.

كان محمد علي وكيل الفرقة العسكرية التي حشدت من ( قوله) مع الجيش العثماني الذي جاء إلى الديار المصرية لإخراج الفرنسيين منها ( 1798-1801)، ولما انهزم الجيش العثماني في موقعة أبي قير سنة 1799، سافر رئيس تلك الفرقة إلى بلاده، وأقام محمد علي مقامه، ورقّي إلى رتبة بكباشي.

بعد خروج الفرنسيين من مصر1801م، طلب العسكر توليته على مصر حينما ضاق المصريون ذرعاً بحكم الوالي خورشيد باشا، فبعث السلطان العثماني بفرمان بتوليته على الديار المصرية وكان ذلك سنة 1805م.

قام أولاً بإنهاء سطوة المماليك في مصر، فدعاهم إلى القلعة لتوديع ابنه طوسون باشا الذي سيّره لقتال الوهابيين في الحجاز، وبعد أن اجتمعوا في القلعة، أغلق الأبواب، وقتلهم عن بكرة أبيهم إلا واحداً تمكن من الفرار. واستطاع استأصال شأفتهم في اليوم التالي سنة 1811م، ولما انقضى أمر المماليك وجه عنايته إلى إصلاح القطر المصري، واسترضاء الدولة العثمانية، ففتح السودان 1821-1823م، وأخمد ثورة الوهابيين في الحجاز بقيادة ابنه طوسون إلى الجزيرة العربية عام 1811، وحملة إبراهيم باشا التي قضت عام 1818 على الدولة السعودية الأولى ( 1774-1818)، وساعد العثمانيين على إخماد ثورة اليونان.

وقام ببناء جيش نظامي، وبناء السفن الحربية، وتحسين ميناء الإسكندرية، وبناء الجسور، وعمل الأسلحة الحربية، وترقية الزراعة والصناعة والتجارة والتعليم، واستعان بالأجانب ،وبخاصة الفرنسيين، وعمل المصانع لنسج القطن والحرير، وإيصال المياه إلى الإسكندرية، وبناء سد أبي قير، والقناطر الخيرية لتي لولاها لما أمكن زراعة القطن في الوجه البحري، وإرسال البعثات العلمية لأوروبة، وتأسيس المدارس.

ولم يكتف بما ناله من الملك في مصر، بل طمح إلى الاستيلاء على سورية، وجهّز جيشاً بقيادة ابنه إبراهيم باشا للاستيلاء عليها، وكان له ذلك، وطمع بفتح الأناضول، ففتح أضنه وقونية وكوتاهية 1833، وصارت أبواب استانبول مفتوحة أمام إبراهيم باشا، وهددت عاصمة الخلافة في تركيا، لكن الدول الأوروبية وقفت أمام طموحاته، فقام بالجلاء عن جميع فتوحه بمقتضى معاهدة لندن1841، وقررت أن تكون ولاية مصر له ولذريته من بعده، ويخرج من بقية سورية، وعاد ابنه إبراهيم باشا إلى مصر، وصرف همه إلى إصلاح البلاد المصرية والنهوض بها، وأدخل بها إصلاحات كثيرة في جميع نواحي الحياة.

لكن دماغه كان قد كلّ وتولاه الاختلال، وصار يحسب الذين حوله خونة يقصدون الإيقاع به، فأعطيت السلطة لابنه إبراهيم باشا سنة 1848م. وتوفي بالإسكندرية سنة 1849م، ودفن بجامع القلعة، ولم تطل ولاية إبراهيم باشا سوى سبعين يوماً فتوفي قبل أبيه وهو في الستين من عمره، وخلفه في الولاية حفيده عباس الأول.

وفيما يلي أعضاء الأسرة الخديوية العلوية التي حكمت مصر( أبناء وأحفاد محمد علي باشا ) من عام 1805-1952م:

  • محمد علي باشا 1805 -1849
  • إبراهيم باشا بن محمد علي باشا 1848 ( من يونيه إلى نوفمبر)
  • عباس الأول بن طوسون باشا 1848-1854
  • سعيد باشا بن محمد علي 1854 -1863
  • إسماعيل باشا بن محمد علي 1863-1879
  • توفيق 1879 -1892
  • عباس حلمي الثاني 1892-1914
  • السلطان حسين كامل 1914- 1917
  • السلطان أحمد فؤاد 1917- 1922
  • ثم أصبح الملك فؤاد الأول 1922- 1936
  • الملك فاروق الأول 1936- 1952 (44)

القادة العسكريون والإداريون الكرد في عهد محمد علي باشا وأسرته

لقد اعتمد محمد علي باشا بشكل رئيسي على القادة الكرد في تثبيت ولايته على مصر، وهذا يدل دلالة قاطعة على حبه لأبناء جلدته الكرد أولاً، ومدى الإخلاص والوفاء الذي اشتهر به الكرد ثانياً، ومن هؤلاء القادة الكرد الذين خدموا بمعيته وبمعية حفدته فيما بعد:

  • القائد حجو بيك:

كان قائداً كردياً من الطراز الأول، والساعد الأيمن لمحمد علي باشا في تأسيس دولته، والقضاء على فوضى المماليك بمصر.

كان الفتى حجو= حاجو يبلغ الخامسة عشرة من عمره في مسقط رأسه (وان) في كردستان تركيا حينما طلب السلطان سليم الثالث العثماني من حكام الأقاليم والبلاد جمع أبناء الأعيان وزعماء القبائل وإرسالهم إلى الآستانة لتعليمهم فنون الحرب والأنظمة العسكرية الحديثة، فكان من حظ هذا الفتى السفر إلى الآستانة، ثم أدرنة، والانخراط في سلك الجيش النظامي الحديث، ولما تخرج حاجو في الجيش برتبة (يوزباشي سواري) كان الشغب ابتدأ بين الانكشارية وبين النظاميين من العسكر العثماني، فانتهز الفرصة وعاد إلى مسقط رأسه ( وان) وأخذ يحدث صهره الشيخ عبيد الله بما ظهر في دار الخلافة من فساد الإدارة، وانتشار الفتن والدسائس، فهاله الأمر حينما سمع بذلك، وبينما الأمر كذلك إذا يخبَر بنزول الفرنسيين إلى مصر، فكلف اليوزباشي حجو بجمع من يمكن جمعه من الجنود الأكراد الأشداء المجاهدين في سبيل الله والالتحاق بجيش الصدر الأعظم يوسف ضيا باشا المكلف بالزحف على مصر وطرد الفرنسيين منها.

فيتم حجو بيك مهمته، ويجمع ألفاً من المجاهدين الأشداء ويُعيّن دليل باشا(بيكباشي) عليهم، ويلتحق بجيش نصوح باشا كقوة غير نظامية. ثم يشترك حجو بيك في جميع الأعمال العسكرية التي حدثت بين الجيش التركي والفرنسي في مصر.

ولما ارتد الجيش التركي أمام الجيش الفرنسي بقيادة ( كليبر) إلى الخانكة سنة 1800م، كان حجو يحمي مؤخرة الجيش العثماني المرتد.

ثم يختفي ذكر حجو بيك وجيشه حتى يظهر فيما بعد في أوائل عهد محمد علي باشا الذي كان معجباً به، ومقدِّراً لفضله في الحروب، وتدبير الأمور، حتى سماه( يلديرم حجو= حجو الصاعقة) لأنه أنقذ القاهرة من غارة المماليك عليها على حين غرة، كما هو مبسوط في تاريخ الجبرتي، ويصبح الساعد الأيمن لمحمد علي باشا في تأسيس دولته، والقضاء على فوضى المماليك بمصر(45).

  • المشير شاهين باشا

وهوالمشير شاهين باشا ابن علي آغا الكردي الأصل المعروف بلقب”كنج”، وزير الحربية المصري في عهد محمد علي باشا .

أخذه والده إلى مصر في عهد واليها محمد علي باشا، فدرس في المدرسة العسكرية ( سان سير) في باريس، والتحق بالجيش المصري، وتوجه مع هذا الجيش إلى الحجاز لتأديب الوهابيين، وهناك أظهر شجاعة فائقة، وتقدم شيئاً فشيئاً في عهد عباس باشا وسعيد باشا. ورفع إلى رتبة قائم مقام في عهد الوالي عباس باشا الأول. وحارب في القرم سنة 1853 – 1855م مع الحملة المصرية التي أرسلت لإسناد الجيش التركي، ورفع إلى رتبة ( ميرآلاي ) سنة 1855م.

عيّن محافظاً للقاهرة سنة 1866، وأوفده الخديوي إسماعيل في تلك السنة ضمن بعثه عسكرية إلى فرنسا، ورفّع إلى رتبة فريق، وحضر استعراضاً عسكرياً أقامه الإمبراطور نابليون الثالث في باريس بمناسبة عودة الكتيبة السودانية التي أرسلت مع الجيش الفرنسي إلى المكسيك 1867. وأوفد إلى السودان في هذه السنة نفسها للتحقيق في تمرد الجيش السوداني في كسلا وسواكن .

عين وزيراً للحربية المصرية سنة1869. وزار السودان مرة ثانية سنة 1871م لتفتيش السودان الشرقي. ثم أسندت إليه سنة 1875 إدارة سكة حديد السودان التي قرر مدّ خطوطها من وادي حلفا إلى دنقلا.

تدرّج في الرتب العسكرية حتى نال رتبة مشير، وتولى وزارة الحربية في وزارة محمد شريف باشا 1879، وفي هذه السنة خلع الخديوي إسماعيل فذهب معه إلى نابولي بإيطاليا، وهناك أدركته الوفاة سنة 1884م، ونقل جثمانه إلى مصر ودفن هناك(46).

  • عباس البازارلي:

وهو المعروف بالجندي، كان ضابطا كردياً التحق بخدمة محمد علي باشا والي مصر، واشترك في حرب السودان. كان مديراً سنة 1835، وسنة 1836 – 1838. توفي بمصر سنة 1839م(47) .

  • تيمور كاشف:

وهو محمد بن إسماعيل بن علي الكردي المشهور بتيمور كاشف، كان من خاصة محمد علي باشا، وهو جد الأسرة التيمورية المعروفة في مصر. وهو من سلالة كردية كانت تسكن بلدة ” قره جولان ” في كردستان العراق. فارقها إثر خصام وقع بينه وبين أخيه والتحق بالجيش العثماني .

نزل مصر بعد انسحاب الفرنسيين منها سنة1801، فوقع بينه وبين محمد علي باشا صداقة وألفة، حتى صار من خاصته، واعتمد عليه في كثير من شؤونه. مثل حادثة الفتك بالمماليك في القلعة. وَلِيَ أعمالاً عسكرية وإدارية عدة في مصر. ولما استولى محمد علي باشا على الحجاز ولاه إمارة المدينة المنورة مدة خمس سنوات 1837م، وكان آخر منصب إداري شغله في مصر منصب كاشف الشرقية. ومن هنا اشتهر باسم ( تيمور كاشف)، بعد خدمة ربت على الأربعين سنة.

كان محمد علي باشا يدعوه إلى قصره بشبرا ويخاطبه بكلمة ( اقداش ) أي الأخ أو الرفيق. وكان على جانب كبير من التقوى، عادلاً في حكومته، مع شيء من الشدة، ومثقفاً يعرف الكردية والتركية والفارسية والعربية، حيث كان لثقافته تأثير كبير في نشأة ابنه ( إسماعيل باشا تيمور)، وحفيدته ( عائشة عصمت) نشأة أدبية. توفى عن عمر ناهز الثمانين عاماً 1848م، ودفن بجوار مقام الإمام الشافعي بالقاهرة(48).

  • إسماعيل رشدي باشا :

هو إسماعيل رشدي باشا ابن محمد بن إسماعيل بن علي تيمور الكاشف، الكوراني، الكردي: من كبار موظفي أسرة محمد علي باشا في مصر. نشأ في رغد من العيش، ومال منذ صغره إلى الاشتغال بالعلوم والآداب. تعلم التركية والفارسية، وبرع في الإنشاء التركي براعة بزّ بها أقرانه، فأعجب به محمد علي باشا واتخذه كاتباً خاصاً، ثم جعله وكيلاً لمديرية الشرقية، فمديراً لبعض المديريات، كان آخرها الغربية أكبر ولايات مصر .

ثم عاد إلى الديوان، وعمل رئيسا للجمعية الحقانية في زمن إبراهيم باشا، ثم رقي في ولاية عباس باشا إلى وكالة ( ديوان كتخدا ). ثم ناظراً على خاصته (الدائرة الآصفية). ورئاسة الديوان في عهد محمد سعيد باشا 1275هـ . ثم ناظراً لخاصة ولي العهد محمد توفيق باشا مدة ستة أشهر حتى فاجأه أجله سنة 1882م. أما خلقه، فالحلم والتواضع مع الشدة، وفصاحة اللسان، والشغف بالعلم والعلماء، وكان مولعاً بالمطالعة، شغوفاً باقتناء الكتب. من أولاده النجباء: الشاعرة عائشة التيمورية، والعلامة أحمد تيمور باشا(49).

  • الفريق إسماعيل حقي باشا ( أبو جبل):

هو إسماعيل حقي باشا بن سليمان بن أبي بكر المشهور بلقب( أبو جبل): علمدار السلطان محمود خان من ولاية معمورة العزيز في الأناضول. من أسرة كردية الأصل .

كان والده قائم مقاماً لبلدته، ولد سنة 1818م. وأرسله والده إلى مصر سنة 1833، وألحق بمدرسة القلعة الحربية، وتخرج فيها بعد سنتين، فانتظم في سلك الجيش وحارب في الحجاز في حملة إبراهيم باشا ضد الوهابيين. أبدى شجاعة وإقداماً حتى لقب بأبي جبل، وجرح هناك.

عاد إلى مصر فشغل وظائف متعددة. ورقي إلى رتبة لواء سنة 1850، وعيّن مديراً لقنا وأسنا. ونقل سنة 1852م حاكماً عاماً للسودان خلفاً لرستم باشا. وفي سنة 1854م حارب في القرم قائداً للواء المصري أمام سباستويول، ثم أسندت إليه القيادة العامة للحملة المصرية .

عاد إلى مصر سنة 1857م، وعين رئيسا لمجلس طنطا، فقائداً للمشاة، وأحيل على المعاش، لكنه أعيد عضواً بمجلس الأحكام، وعهدت إليه بعد ذلك مهمة قمع فتن عرب الفيوم والواحات.

عاد مديراً لقنا وأسنا، فرئيس المجلس العسكري بمصر 1863م، فمديراً للغربية. ورفع إلى رتبة فريق، وعيّن عضواً بمجلس الأحكام، فمأمور عموم الملاحات 1867، فمحافظاً لمصر. وأعيد عضواً بمجلس الأحكام سنة 1874، وأصبح وكيلاً للمجلس سنة 1875، فأمين عموم بيت المال 1876، فرئيس مجلس الأحكام 1879، حتى إحالته على التقاعد 1879 .

وقد لازم الخديوي توفيق، وحضر المجلس الذي عقده في قصر رأس التين بالإسكندرية لمعالجة موضوع الثورة العرابية سنة 1882م قبل ضرب الأسطول البريطاني للقلاع . توفي يوم 25 نيسان 1883م (50).

  • علي رضا بيك المعروف بالكردي:

هو علي رضا بيك المعروف بالكردي(1814 – 1890م ): ضابط عسكري وإداري في مصر والسودان. قدم إلى السودان مع أبيه في الحملة المصرية بقيادة إسماعيل كمال ثالث أبناء الوالي محمد علي باشا سنة 1820، وانتمى إلى الجيش وهو غلام يافع، فلم يلبث أن أصبح ” بلوك باشي ” أي ضابطاً في القوات غير النظامية، وقد عهد إليه جباية الضرائب في المنطقة الشرقية للنيل الأزرق، فقام بتلك المهمة سنوات عديدة .

رفع إلى رتبة سنجق التي تعادل أمير لواء سنة 1865، وقام بحركات عسكرية في سوق أبي سن بإمرة حاكم السودان العام، ثم عدلت رتبته إلى قائم مقام، وعيّن حاكما لمقاطعة النيل الأبيض سنة 1866 – 1871م. حوكم بتهمة إساءة استعمال السلطة، ثم برئت ساحته. فأعيد إلى وظيفة حاكم النيل الأبيض سنة 1875 م. وأخمد تمرد الشلّوك. ونشبت ثورة المهدي فاشترك في مكافحتها في الجزيرة. وحوصر في الخرطوم سنة 1884م، لكنه استطاع النجاة، وتولى بعد ذلك إمرة قوة غير نظامية لحماية حدود مصر الجنوبية في أثناء ثورة السودان، حتى أحيل على التقاعد 1890. وتوفي بالقاهرة سنة 1890م(51).

الهوامش :

(44) مجلة ( المصور) المصرية، الصادرة يوم 25 نوفمبر عام1949، ص 56.

(44 ) الموسوعة العربية:2/1661-1662، أعيان القرن الثالث عشر:115-120، هناك قول شائع بأن أصل أسرة محمد علي من أصل ألباني،ولكن الخديويين كانوا يعدون في مصر على الدوام أتراكاً، لكنهم كانوا بحق في عواطفهم وآمالهم مصريين ( دائرة المعارف الإسلامية:4/238) و قال الأمير محمد علي أحد أحفاد هذه الأسرة عام 1949 لمجلة المصور المصرية إن أصلهم أكراد من ديار بكر.

(45)مشاهير الكرد:2/168-169

(46) أعلام الكرد:75-76 ، مشاهير الكرد:1/250

(47) أعلام الكرد:73

(48) تاريخ الأسرة التيمورية : 67 ــ 75 (الملحق بكتاب لقب العرب ، 1948)، أعلام الكرد:77

(49) مشاهير الكرد: 1/110، الأسرة التيمورية: 77ــ88، أعلام الكرد:77

(50)أعلام الكرد:74-75

(51)أعلام الكرد:74

التحالفات الكردية- المصرية خلال القرن التاسع عشر

أولاً: تحالف الأمير بدرخان مع إبراهيم باشا المصري

استطاع أمير بوتان بدرخان بن عبدال خان الاستقلال بإمارته عن السلطة العثمانية في النصف الأول من القرن التاسع عشر، وتزعم حركة المقاومة ضد الدولة العثمانية، ومن أجل تحقيق سياساته اتصل بإبراهيم باشا المصري ابن محمد علي باشا واتفق معه على توحيد قواتهما في مواجهة النفوذ العثماني، حيث توحد الطرفان في معركة( نزيب) قرب عينتاب وانهزم العثمانيون في البداية، ولكن تدخل الإنجليز والفرنسيين هو الذي منع هذه الهزيمة، حيث حدَّ هؤلاء من زحف إبراهيم باشا، ومعه قوات تابعة لأمير بوتان(52).

ثانيا: تحالف إبراهيم باشا الملي مع الخديوي إسماعيل

في أواخر القرن التاسع عشر استطاع إبراهيم باشا الملي الاستقلال بإمارته الكردية في منطقة الجزيرة الواقعة اليوم بين سوريا وتركيا، وتمتع بسلطة مستقلة عن الدولة العثمانية، وقام بحركة مسلحة ضد العثمانيين وانتصر عليهم، ونسج علاقات وطيدة مع الأسرة الخديوية الحاكمة في مصر، وتحديداً مع الخديوي إسماعيل، الذي توسط لدى السلطان العثماني لإصلاح ذات البين، وتيسير الأمور للأمير الكردي(53).

ثالثاً: أمير سوران الكردي وإبراهيم باشا المصري

عرض أمير سوران الكردي كور باشا في سنة 1883م على إبراهيم باشا عقد معاهدة معه ضد السلطان العثماني.

كذلك ساعدت مصر الأكراد خلال الحكم العثماني في إقامة صناعة أسلحة في مدينة راوندوز بكردستان العراق.

“كردستان” أول صحيفة كردية تصدر في مصر

نتيجة للتفاعل والتواصل المصري – الكردي أصدر الأمراء البدرخانيون المهاجرون من كردستان تركيا بعد ثوراتهم العديدة إلى مصر في أواخر القرن التاسع عشر وخصوصاً الأمير مقداد مدحت باشا حفيد بدرخان باشا أول صحيفة كردية في مدينة القاهرة باسم” كردستان ” وذلك بتاريخ 22 نيسان عام 1898م ، وصار هذا اليوم فيما بعد، عيداً للصحافة الكردية، إذ غدا حدثاً بارزاً في تاريخ الحياة الثقافية والاجتماعية والسياسية الكردية.

وتم نشره الجريدة بالتعاون مع شقيقه عبد الرحمن بك بدرخان، وكان صدورها بمبادرة شخصية منه، لإدراكه بأهمية الصحافة في مجال التوعية لحياة شعب مضطهد محروم، وقد استمرت بالصدور حتى 14 نيسان 1902، في حدود (31 ) عدداً.

وتعد هذه الجريدة حجر الأساس للصحافة القومية، وغدت آنذاك الجريدة المعبرة عن أيدلوجية الحركة الكردية في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين. وكتبت مقالاتها بلغة كردية جميلة سلسة وباللهجة الكرمانجية الشمالية ” لهجة جزيرة بوتان “. وكانت تصدر نصف شهرية، في أربع صفحات. وتناولت في صفحاتها شتى الموضوعات السياسية والأدبية والفكرية التي تهدف إلى تثقيف الشعب الكردي، والانتباه إلى حقوقه القومية، ونالت شهرة واسعة ومرموقة في وسط المهاجرين الكرد والأرمن على حد سواء.

واشتهرت الجريدة في دمشق، وغدت نقطة انطلاق لتوزيعها في جميع أرجاء كردستان، وبالأخص في كردستان الجنوبية، وكانت السلطات العثمانية تحظر توزيع هذه الجريدة، فكانت ترسل إلى هناك بالطرق السرية. وكان قسم من هذه الأعداد يرسل إلى أوروبا ويوزع على المغتربين الكرد، وعلى الأوروبيين المهتمين باللغة الكردية وآدابها.

وفي مرحلة صدور الجريدة في القاهرة، كان لها هدف تنويري بحت، وهو نشر التعليم بين الكرد وتطوير ثقافتهم. ولقد جاء بقلم مقداد مدحت بدرخان في ملحق العدد الأول باللغة الفرنسية:” أصدرت هذه الجريدة، وقد وضعت نصب عيني هدف ترسيخ الاهتمام والحب في نفوس أبناء قومي إزاء التعليم، ولأمنح الشعب فرصة التعرف على حضارة العصر وتقدمه، وكذلك على أدبه… حيث أنا في مصر أريد أن أرى في كردستان النظام. ولا أبغي من صدور هذه الجريدة سوى خدمة مصالح شعبي وسعادته، ورفع المستوى الثقافي لبني جلدتي”.

كما دعا فيها إلى توثيق العلاقات بين الشعبين الأرمني والكردي بما فيها من منفعة لمستقبلهما.

ونتيجة لبعض العوامل السياسية غيّرت الجريدة مراراً مركز إصدارها، فقد طبعت الأعداد الثلاثة الأولى في مطابع ” الهلال” بالقاهرة، أما العددان الأخيران فقد كانا مذيّلين بعبارة: تصدر الجريدة في مصر وتطبع في مطبعة جريدة ” كردستان”. ثم انتقل مركز الجريدة إلى جنيف وفتح مرحلة جديدة في تاريخها. وهناك تابع شقيق المحرر عبد الرحمن بدرخان إصدار الجريدة. وطبعت في مدن فولكستون ولندن، ثم في استانبول تحت إشراف ثريا بدرخان.

وأخيراً صدرت هذه الجريدة في كتاب خاص تحت عنوان ” كردستان أول جريدة كردية 1898-1902″، من جمع وتقديم الدكتور كمال فؤاد بالحجم الكبير في (104) صفحات. علماً بأن الجريدة محفوظة الآن في المكتبة الحكومية بمدينة (ماربورك) بألمانيا الغربية(54).

مصر ملجأ أحرار الكرد

عندما أسس الكماليون تركيا الحديثة أصدروا فرمانا بنفي البدرخانيين الأكراد من تركيا عام 1922، فالتجأ الأمير أمين عالي بدرخان ونجله الأكبر(ثريا) إلى مصر، واستقر في القاهرة حتى توفي بها عام 1926 .

وكان الأمير أمين عالي بدر خان رجلاً وطنياً وقومياً معروفاً، حاول تحقيق أهداف بني قومه في الحرية والاستقلال. وكان لجهود ولديه الأميرين جلادت وكاميران ونضالهما دور كبير في خدمة اللغة والثقافة والقضية الكردية (55 ).

وفي القاهرة قام الأمير ثريا أمين عالي بدرخان(1883-1938م)، بدور كبير في خدمة القضية الكردية، فكان يتنقل من أجل ذلك من القاهرة إلى دمشق وحلب والعواصم الأخرى. وكان له الفضل في إصدار جريدة ” كردستان” بمدينة استانبول بعد عمّيه ( مقداد مدحت، وعبد الرحمن بك) بعد صدور الدستور العثماني عام 1908، وفي القاهرة في أعوام 1916-1917. وكان يكتب في هذه المجلة تحت اسم مستعار هو ” أحمد أزيزي “.

وفي عام 1920 أسس في القاهرة ( جمعية الاستقلال الكردي) بمؤازرة الطلاب الأكراد المقيمين في القاهرة وممن يدرسون في الجامع الأزهر.

وترجم كتابه وطبع في القاهرة من الفرنسية إلى العربية وهو ” القضية الكردية ـ ماضي الكرد وحاضرهم” المنشور باسمه المستعار (د. بله ج شيركوه)، من قبل المرحوم محمد علي عوني عام 1930(56).

كما عاش في مصر المترجم والباحث الكردي محمد علي عوني السويركي، المولود في مدينة ” سويرك ” من أعمال ديار بكر في كردستان تركيا 1897.

وقد قصد مصر لإكمال دراسته الدينية في الأزهر الشريف، ونال شهادته العالية. وحاول الرجوع إلى وطنه لكن السلطات التركية منعته بسبب أفكاره القومية، فبقي في القاهرة. فعمل مترجماً ” للغات الشرقية ” في قصر عابدين لدى الملك فاروق، وعهد إليه مهمة الإشراف على مكتبة القصر الملكي في القاهرة، وحفظ الفرمانات والوثائق التاريخية الرسمية التي يعود تاريخها إلى عصر محمد علي باشا.

وبحكم وظيفته واطلاعه الواسع أصبح حجة في تاريخ الأكراد وقضيتهم. فكان أحد مؤسسي جمعية ( خويبون ) الكردية في القاهرة وسورية بالاشتراك مع أبناء بدرخان. وكانت داره في القاهرة محجاً للطلبة الأكراد يتزودون منه العون والإرشاد والمعرفة .

وكان يجيد اللغات الكردية والفارسية والتركية والعربية، ويحسن الفرنسية. لذلك أصدر في مصر أول ترجمة عربية لأمهات الكتب الكردية مثل ” خلاصة تاريخ الكرد و كردستان ” نشره عام 1939. و ” تاريخ الدول والإمارات الكردية في العهد الإسلامي ” نشره عام 1948. و” مشاهير الكرد ” عام 1947، وهي من تأليف العلامة الكردي العراقي محمد أمين زكي. كما ترجم ” الشرفنامة ” من الفارسية إلى العربية لشرف خان البدليسي في جزأين، طبعته وزارة التربية والتعليم المصرية بعد وفاة المترجم. كما وضع رسالة عن” العائلة التيمورية” الكردية في مصر، وله دارسات ومقالات عديدة حول القضية الكردية .

توفى محمد علي عوني بالقاهرة عام 1952. وفقد الشعب الكردي برحيله أحد أبنائه البررة العظام المناضلين بصمت وتواضع في سبيل تحقيق ما يصبو إليه من حياة حرة كريمة(57).

رواق الأكراد بالأزهر الشريف

كان للأكراد رواق في الأزهر الشريف خاص بالطلبة الكرد، وكان له أوقاف قديمة ترجع إلى نحو ثلاثمائة سنة، والرواق عبارة عن مكان واسع، يضم عدداً من الغرف للطعام والمنام، ومكتبة، والطلبة يحصلون على الطعام والكساء من الأغنياء والمحسنين، ومن الأوقاف المسجلة عليه.

يقال إن الأميرة الكردية ( خاتون خان) من الأسرة الأيوبية وقفت ثروتها في خدمة العلم والدين وإنشاء المدارس، ومن وقف هذه الأميرة أنشئ رواق الأكراد في الجامع الأزهر منذ مئات السنين، وتخرج فيه مئات العلماء من كرد كردستان (العراق، تركيا، سوريا، إيران، روسيا)، وكانوا بحق من ضمن من نشروا الدين واللغة العربية في تلك البلاد. وكانت له أوقاف متمثلة ببعض المنازل والمحال التجارية في مدينة القاهرة، يعود أجورها بالفائدة لرواق الأكراد(58). وكانت له مكتبة قيمة وقفها أهل الخير على الطلبة الأكراد، ضمت إلى مكتبة الأزهر العامة في سنة 1897.

ومن الذين تولوا مشيخة هذا الرواق الشيخ عبد الرحمن بن أحمد بن محمد الذوقي الكردي الأزهري، نسبة إلى حصن الذوق إحدى نواحي ولاية (بدليس = بتليس) بالكردستان التركي الآن. ولد بها سنة 1277هـ /1860م، ثم قدم مصر لإتمام تحصيله بالأزهر الشريف، فمنعه شيخ رواق الأكراد بالأزهر حينئذ من الانتساب إلى الرواق، بحجة أنه حنفي المذهب، والكردي في زعمه يجب أن يكون شافعيا ً. وهكذا لبث إحدى عشرة سنة يجالد ويكافح إلى أن تمكن من الانتساب إلى رواق الأكراد في (25 ربيع الآخر 1313هـ)، واليه ينسب الفضل في فتح باب الرواق لعموم الأكراد. ثم عيّن إماماً بمسجد الرواق العباسي بداخل الأزهر. وتولى مشيخة الرواق وأصبح ناظراً على أوقافه.

وآخر من وقف على الرواق الكردي والتركي من رجال الدولة العثمانية الفريق إبراهيم أدهم باشا الأورفلي المصري من عشيرة الملية الكردية الضاربة في شرق وجنوب ( الرها = أورفا ) بالكردستان التركي.

وقد توفي شيخ رواق سنة 1940م، بعد أن قضاها في العبادة وخدمة العلم، وأنجب أولاداً نبهاء جادين في أعمالهم في خدمة الحكومة المصرية

59 وممن تولوا مشيخة الرواق الشيخ عمر وجدي بن عبد القادر الكردي المارديني، المصري(1901-1991م)، الفقيه، المتكلم، الزاهد. المولود بماردين في كردستان تركيا، وقد رحل إلى مصر، والتحق برواق الأكراد بالأزهر الشريف، وتلقى العلم عن الشيخ محمد حبيب الله الشنقيطي، والشيخ محمد زاهد الكوثري وغيرهما وأجازوه بما لهم وعنهم.

عمل مترجما ً في الإذاعة المصرية باللغة التركية، كما عمل شيخا ً لرواق الأتراك والأكراد والبغداديين بالأزهر

60 وقد أقفل الرواق لأسباب غير معروفة في عهد الرئيس جمال عبد الناصر، بعكس الأروقة الأخرى التي ما زالت قائمة إلى اليوم، ويطالب الأكراد الآن بإعادة فتح رواق الأكراد الذي أقفل تحت ضغط بغداد ودمشق ليعود إشعاع الأزهر الشريف مرة أخرى في ربوع كردستان.

الهوامش:

52  صلاح بدر الدين: موضوعات كردية، 14

53  صلاح بدر الدين: موضوعات كردية، 98

54  موجز تاريخ الأدب الكردي المعاصر:68، حول الصحافة الكردية لعز الدين رسول:19-39، جليلي جليل: نهضة الأكراد الثقافية والقومية،29-56

55  الأمير جلادت بدرخان:23-35

56  الأمير جلادت بدرخان:29

57 الأعلام: 6/ 306، وله ترجمة في مقدمة كتاب ” تاريخ الدول والإمارات الكردية في العهد الإسلامي ” تقديم أبنه الأستاذ نجم الدين عوني. وابنته درية عوني كاتبة وصحيفة لها كتاب ” عرب وأكراد” نشر في القاهرة عام 1993م. (58) درية عوني: عرب وأكراد، 185، صلاح بدر الدين: موضوعات كردية:110

59  مشاهير الكرد:2/20-21

60  تتمة الأعلام 1/400

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى